تكفير المسلمين باب شر عظيم

 

 

قال العلماء؛ دلت أدلة الشرع قد على أن العبد يدخل الإسلام بنطقه بالشهادتين، ويحرم بذلك دمه وماله وعرضه في الدنيا، والدار الآخرة هي دار الكرامة للمؤمنين، ينجو فيها المؤمن بإيمانه، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: “فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي وجه الله”.

وإذا كان المسلم عاصيا وقد استحق النار بعصيانه فإنه لا يخلد فيها أبدا، بل ينتفع بهذه الكلمة الطيبة -كلمة التوحيد- فيخلص بها من النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير”.

والعلماء يقولون: من ثبت له عقد الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين.

وقد حذر الشرع المطهر أشد التحذير من إطلاق الحكم بالكفر على المسلم بغير بينة واضحة لا إشكال فيها. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء: 94). قال الطبري رحمه الله: “فتبينوا”، يقول: فتأنَّوا في قتل من أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تتقدموا على قتل أحد إلا على قتل من علمتموه يقينًا حرْبًا لكم ولله ولرسوله.

كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أيضا فقال: “إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما”.

ويقول صلى الله عليه وسلم: “لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك”.

(قال ابن عبد البر: فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم، واحتمله بقوله ذلك، وهذا غاية في التحذير من هذا القول والنهي عن أن يقال لأحد من أهل القبلة: يا كافر.

ويقول ابن دقيق العيد: وهذا وعيد عظيم لمن أكفر أحداً من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين، ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث لما اختلفوا في العقائد، فغلظوا على مخالفيهم، وحكموا بكفرهم.

وفي بيان معنى الحديث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم من أن يقول ذلك لأخيه المسلم… وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره … فمعنى الحديث: فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفَّر نفسه لكونه كفَّر من هو مثله …

وقال القرطبي: ..والحاصل أن المقول له إن كان كافراً كفراً شرعياً، فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرَّة ذلك القول وإثمه). (التكفير وضوابطه – منقذ السقار).

ولقد شَبَّه النبي صلى الله عليه وسلم تكفير المسلم بكبيرة من أعظم الكبائر وهي القتل العمد، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله”.

قال الشوكاني (رحمه الله): “إن الحُكم على الرجل بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر، لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدِمَ عليه إلا ببرهان أوضحَ من شمس النهار؛ فإنه قد ثبَت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة: أنَّ (مَن قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما)، هكذا في الصحيح، وفي لفظ آخرَ في الصحيحين وغيرهما: (مَن دعا رجلًا بالكفر أو قال: عدو الله، وليس كذلك، إلا حار عليه)؛ أي: رجع، وفي لفظ في الصحيح: (فقد كفر أحدهما)، ففي هذه الأحاديثِ وما ورد موردها أعظمُ زاجرًا وأكبر واعظًا عن السِّراع في التكفير، وقد قال عز وجل: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} (النحل: 106)، فلا بد من شرح الصدر بالكفر، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، فلا اعتبار بما يقع من طوارقِ عقائد الشرك، لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقةِ الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعلٍ كفري لم يُرِدْ به فاعلُه الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *