الاستغلال الأمريكي والتورط الصهيوني وخدعة الإبادة الجماعية في قضية دارفور المفتعلة عبد الله المصمودي

كثيرة هي الحروب التي افتعلت في البلدان الإسلامية لتحقيق الأطماع الغربية، وكثيرة هي القضايا المفتعلة لذات الغرض، بل كل الاحتلالات والانتدابات التي عاشت تحت نيرها الشعوب الإسلامية كانت من هذا القبيل، من معاهدة سايس-بيكو التي قسمت تركة دولة الخلافة الإسلامية إلى الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية مرورا بالحرب الأهلية الإسبانية إلى حروب أفغانستان والخليج، كلها بنيت على خدع وقضايا مفتعلة أثبت التاريخ أن الدول الغربية سعت من خلال إثارتها إلى تعميق تشرذم العرب والمسلمين وتكريس تخلفهم وتبعيتهم لها، وقضية دارفور لا تشذ عن هذا التاريخ.
لماذا دارفور منطقة توتر دائمة؟
كانت الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا بارونات النفط، على علم بثروة السودان النفطية منذ أوائل السبعينيات.
ففي 1979م، انفصل الرئيس السوداني جعفر النميري عن السوفييت، ودعا شركة “شيفرون Chevron” الأمريكية للاستثمار من أجل تطوير صناعة النفط في البلاد على حساب الصناعة السوفييتية، التي كانت تسيطر عليها من قبل، وأخبر ممثل الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة حينئذ “جورج بوش” الأب، شخصيا النميري بأن صورا مهمة التقطت من القمر الصناعي، تشير إلى وجود النفط في السودان وبكميات كبيرة ومعتبرة.
ابتلع الرئيس السوداني جعفر النميري الطعم، وفتح كل الأبواب للولايات المتحدة الأمريكية للاستثمار والتنقيب والنقل، ومنذ ذلك الوقت اندلع ما كان يطلق عليه “حروب النفط”، نتيجة التخطيط المحكم لأرباب النفط في واشنطن.
وجدت شركة “شيفرون” احتياطات نفطية كبيرة في جنوب السودان، وصرفت 1,2 مليار دولار أمريكي في التنقيب والاختبار. وكان النفط المكتشف سببا رئيسا في اندلاع الحرب الأهلية الثانية في السودان عام 1983م، وكانت الشركة الأمريكية هدفا للهجمات وحالات القتل المتكررة التي أصابت التقنيين والعاملين فيها، ما أدى بالشركة إلى اتخاذ قرار تعليق نشاطات التنقيب في 1984م.
وبعد مفاوضات بين السودان وأمريكا حول استئناف نشاطات التنقيب صرح “شستر كروكر” أنه لا عودة لنشاطات البترول إلا إذا استطاعت السودان أن تسوي مشكلة الحرب الأهلية وأن تتخلى عن تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفي سنة 1992م، باعت الشركة الأمريكية امتيازاتها النفطية السودانية.
ثم بدأت الصين التي دخلت طرفا قويا في التسعينات في تطوير حقول “شيفرون” المتروكة، من خلال النتائج البارزة التي تحصلت عليها، وتبقى الشركة الأمريكية -رغم هذه الانتكاسة- قريبة من دارفور اليوم أكثر من أي يوم مضى.
لم تستسغ الولايات المتحدة الأمريكية تهميشها في استغلال النفط السوداني وهي التي أعلنت أن “نفط غرب إفريقيا أصبح يشكل لديها مصلحة إستراتيجية وطنية”، فعملت على إحداث توتر بالمنطقة يسمح لها باستغلال الأوضاع والاستفادة من النفط السوداني..
حيث دربت الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال حلفائها في المنطقة، التشاد والدول المجاورة، جيش تحرير السودان في الجنوب (SPLA) ، بقيادة جون غارنغ حتى وفاته في حادث سقوط طائرة في يوليوز 2005م، وقد قامت القوات الخاصة الأمريكية بدور أساسي في تدريب وتسليح عناصر الجيش السوداني الجنوبي في حصن Fort Benning بجورجيا بالولايات المتحدة.
فالنفط والصراع من أجل المواد الأولية الأساسية الإستراتيجية، كانا السبب الواضح في هذا التطور الأمريكي في دعم إفريقيا بالسلاح على حساب اللقمة وشربة ماء، والتنمية وتشجيع اقتصاديات الدول الإفريقية.
إن الدعم العسكري الأمريكي لإدريس ديبي رئيس التشاد -الذي يدعم المتمردين ويخدم السياسة الأمريكية في المنطقة- كان في حقيقة الأمر الزناد الذي فتح شلال حمام الدم في دارفور، ولم يكن يسع الخرطوم إلا الرد القاسي على الاعتداءات “الخارجية”، وبطبيعة العمل العسكري لا بد أن يكون هناك ضحايا.
كما عملت المنظمات غير الحكومية المدعومة من جانب واشنطن على تأكيد “إدعاءات” الحكومة الأمريكية، بخصوص حدوث “إبادة جماعية” في دارفور، كذريعة منها لجلب قوات الأمم المتحدة وحشد قوات الحلف الأطلسي، من أجل فرض الحضور في حقول النفط في دارفور وجنوب السودان.

تورط الكيان الصهيوني في الحرب في دارفور وخدعة الإبادة الجماعية
كشفت الصحيفة العبرية “هاآرتس” في 16 فبراير 2008م عن صفقات أسلحة أبرمتها تل أبيب مع بلد مجاور للسودان يعتبر ساحة لحركات التمرد في دارفور، وذلك في إشارة ضمنية إلى تشاد، كما أن معهد أبحاث قضايا الدفاع والأمن بالعاصمة البلجيكية “بروكسل” أوضح في دراسة له عن تهريب السلاح لإفريقيا، وأن دارفور أصبحت مستوردا لسلاح الكيان الصهيوني، وأن الصهاينة يغرقون دارفور بالسلاح، مشيرا إلى أن المخابرات الأردنية كشفت مؤخرا عن شبكة لتهريب أسلحة صهيونية لدارفور تورط بها نجل “داني ياتوم”، مدير الموساد السابق ومستشار الحكومة الصهيونية، وذلك بهدف إغراق دارفور بالسلاح ودعم المتمردين كي تظل منطقة توتر وقلاقل مستمرة..
ووفقا للدراسة، فقد اعترف نجل “داني ياتوم” بتورطه و”شيمون ناور” وهو صاحب شركة استيراد وتصدير صهيونية في تهريب الأسلحة لإقليم دارفور، وأنهم ساعدوا بعض الأفراد من حركات التمرد في الإقليم السوداني بتلقي التدريبات العسكرية في الكيان الصهيوني بصفة رسمية.
أما صحيفة “واشنطن بوست” فقد كشفت في 2007م أيضا عن وجود تحالف صهيوني داخل الولايات المتحدة يعرف بـ”تحالف إنقاذ دارفور” ويضم 160 منظمة تعمل تحت رايته للترويج للإبادة في دارفور وذلك في إطار الحملة الصهيونية الرامية لتأجيج الأزمة ونشر الفوضى بالإقليم، مشيرة في هذا الصدد إلى الدور الكبير الذي لعبه هذا اللوبي في إقناع الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش” بفرض عقوبات على السودان وجعل دارفور على رأس قائمة اهتمامات السياسة الأمريكية.
وفي 29 فبراير 2008م، تأكد التورط الصهيوني في دافور فعليا عندما أعلنت حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور المتمردة في دارفور عن فتح مكتب لها في الكيان الصهيوني بزعم رعاية مصالح اللاجئين السودانيين لديها، قائلة في بيان لها :” إن فتح المكتب جاء تقديرا لحكومة “إسرائيل” لحمايتها شباب الحركة من الإبادة ومنحهم الحرية التي لم ينالوها مطلقا من قبل نظام الخرطوم”.
وفي 14 نوفمبر 2007 ، اتهم البشير الكيان الصهيوني ودولا غربية بالتآمر على السودان وبتمويل الحرب في دارفور وتوفير السلاح، مشيرًا إلى أن الأطماع في الموارد الغنية للإقليم تغذي الأزمة الحالية.
وهو ما جعل اللوبي اليهودي-الأمريكي يحرك قضية تورط الرئيس عمر البشير في جريمة الإبادة الجماعية، لتصر المحكمة الجنائية الدولية قرارا بإدانته.
موقع “نداء القدس” الفلسطيني أعد أيضا دراسة عن المخطط الأمريكي الصهيوني لإشعال الصراع في دارفور وتفتيت السودان، أكد خلالها الدكتور سعيد اللاوندي نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام وخبير العلاقات السياسية الدولية أن أزمة دارفور جعلت منها الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية مسوغا لدخولها الإقليم بهدف التحكم في ثرواته، قائلا :” هذا الإقليم المسلم بالكامل تسللت إليه اليد الإسرائيلية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، فأمريكا وإسرائيل تستغلان كل منفذ كي يبثا سمومهما في جسد الأمة، وهذا ما ظهر في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1769 الذي صدر استنادا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ويقضي بنشر قرابة 26 ألف جندي وشرطي تابعين للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بدارفور واستخدام القوة في تنفيذ مهمته”.
إن الحملة الأمريكية على دارفور تتضمن العديد من الأهداف الاستعمارية من أهمها تحويل الأنظار عن الجرائم الكارثية في العراق، والانتهاكات الهمجية لحقوق الإنسان، والتي من بينها قتل وتشويه عشرات الآلاف، هذا بجانب تحويل الأنظار عن دعم الحرب الصهيونية على الفلسطينيين، وفتح جبهة جديدة لإحكام السيطرة الأمريكية على المنطقة العربية والإفريقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *