المقاومة السنية العلمية للفلسفة اليونانية -خلال العصر الإسلامي-

الخامس هو الحافظ المؤرخ شمس الدين الذهبي (ت 748هـ)، حرّم الاشتغال بكثير من علوم الأوائل، كالإلهيات، والكيمياء، والسحر. وسمّى الفلسفة اليونانية: الحكمة المشؤومة، الجهل خير منها، ووصفها بأنها بلاء وهذيان، من طلب فيها الهدى أضله الله تعالى.
وسادسهم المحقق ابن قيم الجوزية، نسب الفلاسفة المسلمين إلى الإلحاد والكفر بالله -بناء على المنظور الإسلامي- وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وعدّ الفارابي وابن سينا والنصير الطوسي من ملاحدة الفلاسفة.
وسابعهم الحافظ ابن كثير (ت 774 هـ)، لعن الفلاسفة ونسبهم إلى الجهل وقلة العقل. وقال عن الفارابي إنه كان ينكر المعاد الجسماني، وله أفكار يخالف فيها المسلمين، فإن كان مات على ذلك فعليه لعنة الله.
وثامنهم عبد المؤمن بن هبة الله الجرجاني، قال عن الفلاسفة ذما لهم وتحذيرا منهم: (فأعرض عن الفلاسفة، وغض بصرك عن تلك الوجوه الكاسفة، فأكثرهم عبدة الطبع، وحرسة الكواكب السبع).
وآخرهم -أي التاسع- الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، بدّع المشتغلين بالفلسفة إذا لم يعتقدوا أفكارها، وكفّرهم إذا اعتقدوها.
وأما ما يُروى عن الإمام أحمد بن حنبل من أنه استخدم كلمة فيلسوف في قوله: (الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه) فهو خبر غير صحيح، لأن إسناده ضعيف، وذلك أن من رجاله: أبو المؤمل العباس بن الفضل الأرسوفي، وعبد الجبار عباس بن أبي الفضل، الأول ضعيف، والثاني مجهول.
وأما متنه -أي الخبر- فهو منكر جدا، لأن أحمد بن حنبل -المعروف بتمسكه الشديد بمنهج السلف- من المستبعد جدا أن يستعمل مصطلح فيلسوف.
وواضح من مواقف هؤلاء العلماء من الفلسفة اليونانية، أنهم أرادوا إظهار حكم الشرع فيها، وتحذير المسلمين منها، تمهيدا لمقاومتها بوسائل أخرى، ولم يقولوا ذلك عن جهل وتعصب، وإنما قالوه عن علم بالشرع ومعرفة بمقالات الفلاسفة المخالفة للنقل والعقل معا، وهذا ما سيتبين لنا جليا فيما يأتي بحول الله تعالى.

إظهار إنكار الفلاسفة لحقائق دين الإسلام وانحرافهم في فهمه:
حرص علماء أهل السنة -في مقاومتهم للفلسفة اليونانية- على إظهار إنكار رجالها لكثير من حقائق الدين الإسلامي، وانحرافهم في فهمه، كوسيلة هامة لمقاومتها والرد عليها، وتحذير المسلمين منها ومن رجالها، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، أذكر منها خمسة، أولها تصوّر الفلاسفة الخاطئ لله تعالى، قال عنهم ابن قيم الجوزية، أن الفلاسفة المسلمين المشائين -أتباع أرسطو- يعتقدون أن الله تعالى هو الوجود المطلق، لا صفة ثبوتية له، ولا يفعل شيئا باختياره، ولا يعلم شيئا من الموجودات، ولا شيئا من المغيبات، ولا كلام له، ولا صفة تقوم به. وكلامهم هذا -عند ابن القيم- هو كفر بالله، وخيال في أذهانهم لا حقيقة له في الواقع.
وقوله هذا صحيح، فإن تصوّر هؤلاء لله تعالى يختلف تماما عن التصوّر الإسلامي لله، فهو تعالى عالم قادر، مريد جميل، متكلم  ودود، خالق مصوّر، حكيم رزاق، رحيم غفور، إلى آخر أسمائه وصفاته الحسنى؛ أما تصوّر هؤلاء لله تعالى، فهو تصوّر ميت يرفضه العقل الفطري العلمي، فهم سلبوا خالقهم صفات الكمال، ووصفوه بصفات النقص، وجعلوا الإنسان أحسن منه، وهذا ضلال ما فوقه ضلال. كما أن الكون البديع  يكذّبهم ويبكتهم، فهو شاهد على أن خالقه لابد أن يكون عظيما جليلا، عليما بديعا، قويا مريدا، حائزا على كل صفات الكمال والجلال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *