المقاومة السنية العلمية للفلسفة اليونانية -خلال العصر الإسلامي-

ثالثا: عدم قبول روايات الفلاسفة في رواية الحديث النبوي:
نص كبار علماء الحديث النبوي على عدم قبول روايات الفلاسفة إذا ما رووا السنة النبوية، وهذا جرح وإقصاء لهم من أن يكونوا من رواة الميراث النبوي الشريف، وبمعنى آخر أنهم ليسوا أهلا لذلك، لفقدهم شرط العدالة الذي وضعه علماء مصطلح الحديث. وقد سبق وأن بيّنا أن علماء أهل السنة قد كفّروا الفلاسفة المسلمين المشائين، لمعتقداتهم المناقضة لدين الإسلام؛ وهذا وحده كاف لرفض رواياتهم الحديثية، وقد نص على هذا كبار علماء السنة، فمن ذلك أن الحافظ جلال الدين السيوطي(ت 911هـ) نصّ على أنه لا تجوز رواية الحديث عن المبتدعة المشتغلين بعلوم الأوائل، من فلسفة ومنطق وغيرهما، وذكر أن هذا الرأي قال به طائفة من العلماء الذين سبقوه، كأبي طاهر السِلفي (ت ق:6هـ)، وابن تيمية، والذهبي.
وعندما تطرق الحافظ يحيى بن معين (ت ق:3هـ)، لذكر أحمد بن صالح المصري المعروف بابن الطبري، جرّحه بقوله: كذاب يتفلسف. وقال الحافظ ابن ناصر السلامي البغدادي (ق: 6هـ) في الفقيه محمد بن زبيبة البغدادي (ت511هـ): كان على عقيدة الفلاسفة لا تجوز الرواية عنه، وعندما تعرّض الحافظ شمس الدين الذهبي لابن سينا (ت 428هـ) قال عنه: ما أعلم أنه روى شيئا من الحديث، و لو روى ما حلت الرواية عنه، لأنه فلسفي النحلة، ضال لا رضي الله عنه.
ولا يخفى عنا أن هذا المسلك استخدمه أهل السنة مع كل المنحرفين من أهل الأهواء، ولم يخصوا به الفلاسفة دون غيرهم، وهذا مشهور عنهم، كما أن استخدامهم لهذا المسلك هو وسيلة من وسائل مقاومتهم للفلسفة اليونانية ورجالها، وقد مكّنهم من سدّ الطريق أمام هؤلاء من تسريب روايات حديثية مكذوبة تخدم فكرهم، وساعدهم أيضا على تحذير الناس من الأخذ عنهم مما يروونه من أحاديث نبوية.
لكن ذلك لا يعني أن كل من درس علوم الأوائل لا تُقبل رواياته الحديثية، لأن ما قاله علماء الجرح و التعديل يصدق على من درس تلك العلوم و انتسب إليها، وتأثر بها، وانحرف عن الشرع الحكيم، وأما من درسها للرد عليها، ولمعرفة ضلال أهلها، فلا يصدق ذلك عليه.
رابعا: إظهار إهمال الفلاسفة المسلمين لعلوم الشريعة:
أشار بعض علماء أهل السنة إلى إهمال الفلاسفة المسلمين، لعلوم الشريعة وضعفهم فيها، وسوء تفسيرهم لنصوصها، فاتخذوا من ذلك وسيلة لمقاومتهم و التشهير بهم. فانتقدهم الشيخ تقي الدين بن تيمية في أن من مظاهر إهمالهم للعلوم الإسلامية، ضعفهم في علم الحديث، وعدم تمييزهم بين صحيحه وسقيمه، لكنه ذكر أن طائفة منهم اهتمت بالقرآن والتفسير، لتعلّق الناس بهما، ولكي يعيشوا بذكرهما بينهم، وليس لأنهم يعتقدون وجوبهما في نفوسهم.

*مقاومة أهل السنة للفلسفة اليونانية -خلال العصر الإسلامي، ق: 2 -13هـ- للدكتور خالد كبير علال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *