البرناسية البرناسية تعتبر الفن غاية في ذاته لا وسيلة للتعبير عن الذات (مذهب الفن للفن)

التعريف

البرناسية مذهب أدبي فلسفي لا ديني قام على معارضة الرومانسية من حيث أنها مذهب الذاتية في الشعر، وعرض عواطف الفرد الخاصة على الناس شعراً واتخاذه وسيلة للتعبير عن الذات، بينما تقوم البرناسية على اعتبار الفن غاية في ذاته لا وسيلة للتعبير عن الذات، وهي تهدف إلى جعل الشعر فناً موضوعيًّا همه استخراج الجمال من مظاهر الطبيعة أو إضفائه على تلك المظاهر، وترفض البرناسية التقيد سلفاً بأي عقيدة أو فكر أو أخلاق سابقة.
وهي تتخذ شعار “الفن للفن”.

التأسيس وأبرز الشخصيات
أطلق أحد الناشرين الفرنسيين على مجموعة من القصائد لبعض الشعراء الناشئين اسم “البرناس المعاصر” إشارة إلى جبل البرناس الشهير باليونان التي تقطنه “آلهة الشعر” كما كان يعتقد قدماء اليونان، إلا أن الإسم ذاع وانتشر للتعبير عن اتجاه أدبي جديد، وإن كان دعاة هذا المذهب قد انتسبوا إلى مذاهب أدبية أخرى تشكلت فيما بعد ومنهم:
– “شارل بودلير” 1821–1867م وهو شاعر فرنسي، نادى بالفوضى الجنسية، ووصف بـ “السادية” أي التلذذ بتعذيب الآخرين.
– “تيوفيل جوتييه” 1811–1872م.
– “لو كنت دي ليل” ويعد رئيس هذا المذهب، وقد تبلورت مبادئه بعد منتصف القرن التاسع عشر وانتهى به الأمر إلى أن ترك النصرانية إلى البوذية.

الأفكار والمعتقدات
– اعتبار الأدب والفن غاية في ذاتيهما، وأن مهمتهما الإمتاع فقط لا المنفعة، وإثارة المشاعر وإلهاب الإحساس ليتذوق الإنسان الفن الجيد.
– تحطيم القديم وتدميره لبناء العالم الجديد الخالي من الضياع، حسب زعمهم، والقديم في رأيهم، هو الدين والعقائد والأخلاق والقيم.
– يحقق الإنسان سعادته عن طريق الفن لا عن طريق العلم.
– إن الحياة تقليد للفن وليس العكس.

الجذور الفكرية والعقائدية
كان أرسطو الفيلسوف اليوناني 383–322 ق.م أول من هاجم الاتجاه التعليمي والأخلاقي في الشعر، وكان يرد بذلك على أفلاطون الذي قرر أن الشعر خادم الفلسفة الأخلاقية وفكرة الإرشاد التعليمي.
وبعد سقوط الإمبراطورية الإغريقية، وسيطرة الإمبراطورية الرومانية بكل اتجاهاتها العملية والنفعية، سيطر الاتجاه التعليمي على الأدب.
ورغم تطور النقد الأدبي في القرن السادس عشر إلا أنه لم يتغلب على الاتجاه التعليمي في الأدب.
وفي القرن السابع عشر يؤكد “بيركورني” أن الهدف الأساسي في الشعر المسرحي هو المتعة الفنية.
وبمرور الزمن ازداد الهجوم على الجانب التعليمي للفن من قبل “ورد زورث” 1770-1850م والشاعر “شيللي” 1792–1822م ورواد المدرسة الرمزية أمثال “بودلير” و”مالا راميه”.
وفي مطلع القرن العشرين اعتبر النقاد نظرية الفن للفن.. دفاعاً مستميتاً عن الفن حتى لا تستخدم في الأغراض النفعية المؤقتة.
والواقع أن المضمون الفكري والعقائدي لهذا المذهب -غير الصورة الخارجية المتعلقة بالمتعة الفنية– هو رفض كل فكرة وعقيدة وأخلاق سابقة، وخاصة ما يتعلق بالدين وإن كان هذا الأمر لم يكن واضحاً في آثار أصحاب المذاهب.
لذلك كان الهجوم على مدرسة الفن للفن، بعد انحرافها الكبير عن الحياة الواعية العاقلة من قبل بعض النقاد أمثال “ت.س. اليوت” الذي اتهم أصحابها بالخطأ وقصر النظر، وقرر أنه لابد من الالتزام للأديب أو الشاعر. وأن غاية الشعر والنقد تُلزم كل شاعر وناقد أن تكون الكتابة ذات نفع اجتماعي ما للقارئ.

الانتشار ومناطق النفوذ
مذهب الفن للفن مثل بقية المذاهب الأدبية نشأ في أوروبا، وأشد المتحمسين له كانوا في فرنسا، أم المذاهب تقريباً، ولكن كان له أنصار في ألمانيا وإيطاليا، ووصل المذهب إلى أمريكا وغيرها من الدول.
إلا أنه تقلص بعد ذلك، وتقوقع على نفسه بعد أن وجه له النقد الشديد لانحرافه عن كثير من الأصول التي بني عليها، والقيم التي كان يلزمه التقيد بها.

يتضح مما سبق
أن البرناسية مذهب أدبي فلسفي لا ديني، يعارض الرومانسية من حيث أنها مذهب الذاتية في الشعر، وهو يعتبر الأدب والفن غاية في حد ذاتيهما، لا وسيلة للتعبير عن الذات، ويرنو إلى تحطيم كل ما هو قديم وتدميره من أجل بناء العالم الجديد الخالي من الضياع حسب زعم أنصار المذهب، ولما كان القديم في هذا المذهب يعني كل ما ينطوي على العقائد والأخلاق والقيم، فإن تحطيم القديم يعني في هذا المذهب وجوب تحطيم الدين والقيم الأخلاقية، الأمر الذي يجب أن يتنبه له الشباب المسلم وهو يدرس هذا المذهب ويتعامل مع حصاده الفكري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *