دخول الفلسفة اليونانية إلى البلاد الإسلامية

تطرقنا في العدد السابق لحال الفلسفة في بلاد المشرق، وفي هذا العدد سنتعرض بحو الله إلى حالها وحال رجالها في بلاد الغرب الإسلامي -المغرب والأندلس-.

وأما حال الفلسفة اليونانية ورجالها في بلاد الغرب الإسلامي -المغرب والأندلس-، فإن الرأي العام السائد فيها كان يرفضها ويحاصرها في معظم الأحيان، لكن ذلك لم يمنع من انتشارها بين طائفة من أهل العلم، انتسبوا إليها وأحبوها ودافعوا عنها.
فقد وُجد للفلسفة موطن بمدينة رقادة بتونس على يد الأمير إبراهيم بن الأغلب (ت289هـ)، وذلك أنه أنشأ بها -على غرار الخليفة المأمون- بيت الحكمة، وجلب إليها الفلاسفة والمصنفات الفلسفية من العراق ومصر والشام، وألحق بها طائفة من القساوسة المترجمين، ومن الفلاسفة الذين قدموا إليها: إسحاق بن عمران البغدادي (ت294هـ)، واليهودي إسحاق بن سليمان الإسرائيلي (ت 320هـ).
ومن رجالها الأوائل بالأندلس الخليفة الأموي عبد الرحمن بن الحكم المستنصر بن هشام (ت 239 هـ)، هو أول من أدخل الفلسفة اليونانية إلى بلاد الأندلس، وشُبه بالخليفة المأمون في طلبه لكتب الفلسفة، وكان عالما بالشريعة والفلسفة.
والثاني هو: عباس بن فرناس التاكراني (ت 274هـ)، كان فيلسوفا حاذقا وشاعرا منجما، كثير الاختراعات، وهو أول من استنبط صناعة الزجاج من الحجارة بأرض الأندلس، وهو الذي حاول الطيران.
وثالثهم الشاعر ابن هانئ الأندلسي (ت 362 هـ)، قال عنه الحافظ الذهبي: كان شاعرا متفلسفا، زنديقا منحلا.
وأشير هنا إلى أن أشهر رجال الفلسفة بالغرب الإسلامي، عاشوا في القرنين الخامس والسادس الهجريين، منهم: أبو عبد الله محمد بن سليمان الرعيني القرطبي الضرير (ت437هـ)، تفرّغ للعلم وبالغ في طلب المنطق حتى غلب عليه.
وثانيهم أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي (ت 528 هـ)، برع في المنطق وغيره من علوم الأوائل، له مصنفات عديدة، منها: تقويم الأذهان، خصصه للمنطق.
وثالثهم أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن باجة (ت 533هـ)، برع في الطب والموسيقى ودقائق الفلسفة، من مصنفاته: مطمح الأنفس.
ورابعهم السلطان الموحدي أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن (ت 578 هـ)، طلب علوم الشريعة والأدب، ثم اتجه لتحصيل علوم الفلسفة، فجمع منها كتبا كثيرة من البيوت ومختلف الأقطار، فبلغ ما اجتمع لديه قريب مما كان لدى الحكم المستنصر بالله الأموي، وكان يصحب الفيلسوف ابن طفيل ويتناقش معه في شتى قضايا الفلسفة.
وخامسهم أبو بكر بن طفيل، من تلاميذ ابن باجة، جمع أجزاء الفلسفة من الطبيعيات والإلهيات، وله فيها مصنفات. وكان قريبا من السلطان الموحدي أبي يعقوب يوسف، وملازما له، وهو الذي كان يجلب له العلماء من مختلف الأقطار ويحثه على إكرامهم، منهم: ابن رشد الحفيد.
وآخرهم الطبيب الفقيه أبو الوليد بن رشد الحفيد (ت 594 هـ)، توسع في الفلسفة، ونالته بسببها محنة نذكرها في موضعها المناسب إن شاء الله تعالى، وكانت له مصنفات كثيرة في الفلسفة وعلم الكلام، منها: فصل المقال فيما بين الشريعة من حكمة واتصال، وتهافت التهافت، والكشف عن مناهج الأدلة.
وعندما انزعج السلطان الموحدي أبو يعقوب يوسف (ت578 هـ) من سوء ترجمة كتب أرسطو التي بين يديه، أمر ابن رشد بتلخيصها وتقريب أغراضها، فلبى طلبه ولخّص مصنفات أرسطو، متبعا غير مخالف له، عكس ابن سيناء الذي خالف أرسطو في مسائل كثيرة عندما شرح كتبه و أفكاره.
ولابن رشد تلخيصات وشروحا كثيرة في الفلسفة اليونانية، منها: جوامع أرسطو، وشرح كتاب النفس، وتلخيص الإلهيات لنيقولاوس، وتلخيص ما بعد الطبيعة، وتلخيص كتاب السماع الطبيعي، وشرح القياس، وهي كلها لأرسطو، وتلخيص كتاب المزاج لجالينوس.
بقي لنا ذكر جملة أمور لها علاقة وطيدة بالفلسفة اليونانية ورجالها، وحتى لا نطيل نجرئها إلى العدد القادم إن شاء الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *