المقاومة السنية العلمية للفلسفة اليونانية -خلال العصر الإسلامي-

من الأسباب الأساسية التي أدت بهؤلاء الفلاسفة إلى سلوك ذلك المسلك، أن بعضهم لم يكن يؤمن بالإسلام أصلا، لكن ضروريات الحياة وخوفه من المسلمين والسلطان جعله يُظهر إيمانه بالشريعة والفلسفة اليونانية عن طريق زعمه الجمع بينهما، ولم يبال بالتناقضات التي وقع فيها، لذلك وجدنا النصير الطوسي -عندما كان آمنا على نفسه، والدولة بيده- أعلن صراحة رفضه للشريعة، وتفضيله للفلسفة اليونانية عليها.
وأما أهدافهم التي كانوا يرجونها من الجمع بين الشريعة وفلسفة اليونان، فيبدو أن أهمها:
– الحفاظ على إيمانهم بدين الإسلام الموروث، وعلى إيمانهم بفلسفة اليونان التي غزتهم، وبهرتهم، رغم كثرة أباطيلها، وخرافاتها، وانحرافاتها.
– إيجاد حلول لشكوكهم ومشاكلهم الفكرية التي يُعانون منها، عن طريق الجمع بين دين الإسلام وفلسفة اليونان.
– الاقتراب من الدين والتسلل إلى أهل العلم والتأثير فيهم لتخفيف معارضتهم للفلسفة اليونانية ورجالها.
– سعي طائفة منهم إلى إفساد دين الإسلام، بإدخال ضلالات اليونان وشركياتهم وأباطيلهم في الفكر الإسلامي أولا، ثم إلى الدين ثانيا، على غرار ما حدث للديانتين اليهودية والنصرانية، لكنهم خابوا في مسعاهم، فهم وإن أثروا في الطوائف الإسلامية المنحرفة، فإنهم لم يصلوا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
وزيادة على ذلك نقول: إن سعي الفلاسفة المسلمين للجمع بين الشريعة وفلسفة اليونان، هو عمل لا مبرر له شرعا ولا عقلا، لأن دين الإسلام كامل شامل للدين والدنيا معا، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا)، لذا فهو ليس في حاجة لمساعي هؤلاء للجمع بينه وبين فلسفتهم البشرية القاصرة، كما أن كل من يعرف دين الإسلام يعلم أنه يتناقض تماما مع فلسفة اليونان في التوحيد والنبوة والمعاد، وغيرها من حقائق الدين، لذا فإن دعوى الجمع بينهما هي عملية تدليسية تمويهية تلفيقية، وتغليطية تحريفية تخريفية، تنطوي على نوايا خفية خبيثة مغرضة، وهي أيضا كذب على الشرع وعلى الناس، كما أن الإنسان الصريح مع نفسه والمنطقي معها والمحترم للعقل والعلم، يرفضها برمتها، لأن تصورها وحده يكفي للحكم على بطلانها، لأنها تستلزم الجمع بين المتناقضين، كالقول بحدوث العالم وقدمه، وهذا مستحيل.
كما أنه -أي الإسلام- لا يقبل الجمع ولا الخلط أصلا، فهو دين يفرض على أتباعه الخضوع والاستسلام التامين لله رب العالمين، ويرفض أي مبدأ بشري يُنافسه، أو يُزاحمه، أو يُساويه، أو يعلو عليه، أو يحل محله، ويعد كل محاولة لإحلال الفكر البشري محل الوحي الإلهي ضلالا وانحرافا عن الصراط المستقيم، وعبودية لغير الله.
قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) الجاثية:23، و(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) التوبة:31، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ
سَبِيلِهِ) الأنعام:153، ومع هذا فإن الإسلام لا يمنع أهله من الاستفادة مما عند غيرهم من المنافع الدنيوية المباحة كالفوائد والمعطيات الصحيحة التي قد نجدها في طبيعيات الفلسفة اليونانية، وغيرها من المذاهب الفكرية.
وإنني لأتعجب من سعي الفلاسفة المسلمين للجمع بين الإسلام وفلسفة اليونان المشائية، فما الذي أعجبهم فيها ولم يجدوه في الإسلام؟!! وهي فلسفة وثنية مليئة بالأباطيل والضلالات والشركيات، كالقول بقدم العالم، وإنكار النبوة، وبعث الأجساد، والاعتقاد في الكواكب والنجوم، والقول بالعقول العشرة، وغيرها من الانحرافات والأباطيل.
وختاما لما ذكرناه في هذا المبحث، يتبين أن بعض علماء أهل السنة تصدوا للفلاسفة المسلمين في سعيهم الجمع بين الشريعة وفلسفة اليونان، بعدما تبين لهم خطورة ما يقوم به هؤلاء، فردوا عليهم، وكشفوا نواياهم، وحذّروا منهم، فكان ذلك أسلوبا ناجحا وفعالا من أساليب مقاومة أهل السنة للفلسفة اليونانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *