التعريف
الذرائعية مذهب فلسفي اجتماعي يقول إن الحقيقة توجد في جملة التجربة الإنسانية، لا في الفكر النظري البعيد عن الواقع. وأن المعرفة آلة أو وظيفة في خدمة مَطالب الحياة، وأن صدق قضية ما: هو في كونها مفيدة للناس، وأن الفكر في طبيعته غائي.
وقد أصبحت “الذرائعية” طابعاً مميزاً للسياسة الأمريكية وفلسفة أعمالها كذلك، لأنها تجعل الفائدة العملية معياراً للتقدم بغض النظر عن المحتوى الفكري أو الأخلاقي أو العقائدي.
التأسيس وأبرز الشخصيات
نشأت “الذرائعية” (البرجماتية) كمذهب عملي في الولايات المتحدة الأمريكية مع بداية القرن العشرين: وقد وجدت في النظام الرأسمالي “الحر” الذي يقوم على المنافسة الفردية، خير تربة للنمو والازدهار.
ومن أبرز رموز المذهب وأغلبهم من الأمريكيين:
“تشارلس بيرس” 1839-1914م ويُعد مبتكر كلمة البرجماتية في الفلسفة المعاصرة. عمل محاضراً في جامعة “هارفارد” الأمريكية، وكان متأثراً بـ”دارون” ووصل إلى مثل آرائه.. وكان أثره عميقاً في الفلاسفة الأمريكيين الذين سنذكرهم:
“وليم جيمس” 1842-1910م وهو عالم نفسي وفيلسوف أمريكي من أصل سويدي بنى مذهب الذرائعية “البرجماتية” على أصول أفكار “بيرس” ويؤكد أن العمل والمنفعة هما مقياس صحة الفكرة ودليل صدقها. كان كتابه الأول: “مبادئ علم النفس” 1890م الذي أكسبه شهرة واسعة ثم توالت كتبه: “موجز علم النفس” 1892م، و”إرادة الاعتقاد” 1897م، و”أنواع التجربة الدينية” 1902م، و”البراجماتية” 1907م، و”كون متكثر” 1909م يعارض فيه وحدة الوجود. ويؤكد “جيمس” في كتبه الدينية أن الاعتقاد الديني صحيح لأنه ينظم حياة الناس ويبعث فيهم الطاقة.
“جون ديوي” 1856–1952م فيلسوف أمريكي، تأثر بالفلسفة الذرائعية، وكان له تأثير واسع في المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات الغربية، إذ كان يعتقد أن الفلسفة مهمة إنسانية قلباً وقالباً وعلينا أن نحكم عليها في ضوء تأثيرها الاجتماعي أو الثقافي.
كتب في فلسفة ما بعد الطبيعة (الميتافيزيقا) وفلسفة العلوم والمنطق وعلم النفس وعلم الجمال والدين.
وأهم مؤلفاته: “دراسات في النظرية المنطقية” 1903م، و”كيف تفكر” 1910 و”العقل الخالق” 1917م و”الطبيعة الإنسانية والسلوك” 1922م و”طلب اليقين” 1929م.
“شيلر” 1864–1937م وهو فيلسوف بريطاني، كان صديقاً لـ”وليم جيمس”، وتعاطف معه في فلسفة الذرائعية: وقد آثر أن يطلق على آرائه وموقفه: المذهب الإنساني أو المذهب الإرادي.
الأفكار والمعتقدات
من أهم أفكار ومعتقدات المذهب الذرائعي (البرجماتية):
– إن أفكار الإنسان وآراءه ذرائع يستعين بها على حفظ بقائه أولاً ثم السير نحو السمو والكمال ثانياً.
– إذا تضاربت آراء الإنسان وأفكاره وتعارضت، كان أحقها وأصدقها أنفعها وأجداها، والنفع هو الذي تنهض التجربة العملية دليلاً على فائدته.
– إن العقل خُلق أداة للحياة ووسيلة لحفظها وكمالها، فليست مهمته تفسير عالم الغيب المجهول، بل يجب أن يتوجه للحياة العملية الواقعية.
– النشاط الإنساني له وجهتان: فهو عقل، وهو أداة، ونموه كعقل ينتج العلم، وحين يتحقق كإرادة يتجه نحو الدين، فالصلة بين العلم والدين تُرد إلى الصلة بين العقل والإرادة.
تقويم الذرائعية
تعرضت الذرائعية لانتقادات معينة، وعرضت على أنها تبرير لأخلاقيات رجال الأعمال الأمريكيين.
أما عن فكرة الاعتقاد فمن رأي “جيمس” (أنها مفيدة لأنها صادقة) و(أنها صادقة لأنها مفيدة). وقد أنكر معظم الدارسين هذه المعادلة إذ أن موقف “جيمس” يسمح بصدق الفكرة لأنها “مفيدة ونافعة” لشخص ما، ويكذبها لعدم وجودها عند الآخرين.
وهكذا فإن “جيمس” طرح الحقيقة على أنها لعبة ذاتية للأفكار التي تستهوي الإنسان فائدتها: فيعتقد في صدقها.
إن الذرائعية اندثرت كحركة فكرية فردية، ولكنها كمجموعة أفكار ما زالت تعمل في الفكر البشري.. ومن أهم آثار هذه الأفكار تفسير الفكر والمعنى على أنهما من أشكال السلوك النائي عند الإنسان.
الجذور الفكرية والعقائدية
إن البرجماتية أو الذرائعية ثورة ضد الفكر النظري البعيد عن الواقع وعن الإنسان خاصة والذي لا يخدم الإنسان في حياته العملية. أما كلمة (برجماتية) فكانت قليلة الاستعمال في اللغة الإنكليزية ولم تكن تستعمل مطلقاً في سياق الحديث الفلسفي، حتى أدخلها الفيلسوف الأمريكي “بيرس” عام 1878م كقاعدة منطقية: معرفاً البرجماتية بأنها النظرية القائلة: “بأن الفكرة إنما تنحصر فيما نتصوره لها من أثر على مسلك الحياة”.
وقد استعار “وليم جيمس” ورفاقه الذرائعيون هذا المصطلح وأعطوه معاني جديدة وفق ما أوضحناه في أفكار ومعتقدات المذهب. مؤكدين على أن كل شيء حتى الفكر، لا بد أن يفهم في ضوء الغرض الإنساني.
الانتشار ومواقع النفوذ
تأسس المذهب في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقل إلى أوروبا وبريطانيا بشكل خاص.
ما المقصود بالإسلام البراجماتي؟
الإسلام البراجماتي يعني: التعامل بهذا المنظور النفعي مع الإسلام؛ أي استغلال الإسلام للمنفعة كما يراها البراجماتيون، دون التقيد بإطاراته أو شروطه أو تعاليمه، هذا بالإضافة إلى التوفيق أو بقول أكثر دقة: التلفيق المستمر بين مفاهيم البراجماتية الدينية التي تتعامل مع الدين بوجه عام على أنه مخدّر ذو مفعول متجدد دائمًا، وعلى أنه وسيلة سياسية لتطويع الشعوب لمصلحة السياسيين الاقتصاديين، وبين بعض المظاهر والشكليات الإسلامية التي يمكن استغلالها لصالح تلك المفاهيم، وكلٌ له شرعيته ومنهاجه في أشكال هذا الاستغلال بحسب المصالح التي يبتغيها.
يتضح مما سبق
أن الذرائعية أو البراجماتية مذهب فلسفي نفعي يرى أن الحقيقة توجد من خلال الواقع العملي والتجربة الإنسانية المادية، وأن صدق قضية ما يكمن في مدى كونها مفيدة للناس، كما أن أفكار الناس هي مجرد ذرائع يستعين بها الإنسان لحفظ بقائه ثم البحث عن الكمال. وعندما تتضارب الأفكار فإن أصدقها هو الأنفع والأجدى، والعقل لم يخلق لتفسير الغيب المجهول، ولذا فإن الاعتقاد الديني لا يخضع للبينات العقلية. ولما كان نشاط الإنسان يتمثل في العقل والإرادة، وكان العقل ينتج العلم، وحينما يتحقق العلم كإرادة يتجه نحو الدين، لذا فإن الصلة بين العلم والدين ترجع إلى الصلة بين العقل والإرادة. ومخاطر هذا المذهب الفلسفي على العقيدة واضحة جلية فهو مذهب يحبذ إلغاء دور العقل في الإفادة من معطيات النقل أو الوحي. وقد رأينا في واقعنا المعاصر كيف أفلست الذرائعية كما أفلست سواها من الفلسفات المادية وعجزت عن إسعاد الإنسان بعدما أدت إلى تأجيج سعار المادية، وأهدرت القيم والأخلاق السامية التي دعت إليها جميع الشرائع السماوية.