ناقشنا في المقال السابق أحداث الثورة الفرنسية وكيف قامت، وما كان فيها من محاولة لإزالة تراكمات مئات السنين من الطغيان والتسلط الكنسي، إلى جانب الاستعباد الذي قام به الأشراف والإقطاعيون للأفراد.
ولكن على رغم مما كان في الثورة الفرنسية من قتل وإراقة للدماء منقطع النظير، إلا أنها لم تعْدُ أن تكونَ ردَّة فعل نفسية لما تكوَّن عند الرجل الغربي من إحساس بالظلم والقهر، خاصة من جانب الكنيسة التي ساندت الإقطاع وجمعت الضرائب والأموال وعذبت وأحرقت العلماء بحجة مخالفة مذهب الكنيسة.
كانت الثورة الفرنسية ردة فعل نفسية على كل هذا، ولم يكن في مخيل الناس التحول إلى اللادينية وإقصاء الدين من الحياة، بل كان همهم الانتقام من رجال الدين والأشراف فقط.
ولكن يد ما تدخلت لاستغلال تلك الفرصة التي ربما قد لا تتكرر، وحوَّلت مسار الثورة لتكون ثورة على الدين وليست على رجال الدين، وهنا كان دور اليهود في إفساد أوروبا.
وقبل أن نستعرض الدور اليهودي في الثورة الفرنسية وأسبابه يجب أن نقرر حقيقة مهمة، وهي أن اليهود لا ينشئون الأحداث كما يزعمون لأنفسهم، وكما يتوهم الذين تبهرهم سيطرة اليهود في الوقت الحاضر فيهولون من مقدرتهم كأمثال (وليم كار) مؤلف كتاب “أحجار على رقعة الشطرنج” الذي ينسب فيه كل أحداث التاريخ لفعل اليهود، ولكن لا شك أنهم يجيدون انتهاز الفرص واستغلالها لتنفيذ مخططاتهم.
وعقدتهم الكبرى اعتقادهم أنهم شعب الله المختار، ومن ثم فينبغي أن يكون بقية البشر خدماً وعبيداً لهم، ويكونوا وحدهم هم المسيطرون.
جاء في التلمود: “الأمميون (أي كل الأمم غير اليهود) هم الحمير (دواب الحمل) الذين خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار، وكلما نفق منهم حمار ركبنا حماراً أخر!”.
وإذ كان مخططهم هو استعباد البشرية، واستحمارها وتسخيرها لمصالحهم، فقد علموا أن أنجح الوسائل لذلك هي نزع عقائد الأممين وإفساد أخلاقهم.
ولذا جاء في بروتوكولات حكماء صهيون: “يجب علينا أن ننزع فكرة الله ذاتها من عقول غير اليهود، وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورات مادية.
ومن المسيحيين أناس قد أضلتهم الخمر وانقلب شبابهم مجانين بالكلاسيكيات والمجون المبكر الذي أغراهم به وكلاؤنا ومعلمونا وخدمنا ونساءنا في أماكن لهوهم والراغبات من زملائهن في الفساد والترف” بروتوكولات حكماء صهيون، البروتوكول الأول.
صحيح أن العقيدة التي قدمتها الكنيسة -أو قدمها بولس اليهودي الأصل- إلى أوروبا كانت فاسدة منذ أول لحظة، وأن الدين الذي نشرته الكنيسة لم يكن هو دين الله المنزل بل كان دينا محرفا يتكون من خليط من الأديان الوثنية إلى جانب مسحة ربانية، ولكن شدة تمسك أوروبا بعقيدتها -رغم فسادها- قد جمد محاولات اليهود لتنفيذ مخططاتهم فترة طويلة، رغم أنهم لم يكفوا عن المحاولة خلال تلك القرون كما يقول -بحق- وليم كار في كتاب على رقعة الشطرنج.
لقد كان أقصى ما يفعل اليهود هو جمع المال، وإقراضه بالربا الفاحش للمحتاجين، وإيقاع أمراء الإقطاع في الدين ليستولوا في النهاية على ثرواتهم.
ولكن تأثيرهم في مجموع الناس كان معدوماً أو ضئيلاً إلى أقصى حد، خاصة واليهود في أوروبا في ذلك الحين محتقرون مهينون، فوق البغضاء الموجهة إليهم والاضطهاد الحائق بهم على أساس أنهم قتلة المسيح كما كان يعتقد النصارى.
وحينما قامت الثورة الفرنسية كانت أهداف الثائرين هي القضاء على الحليفين الطاغيين المستبدين: رجال الإقطاع ورجال الدين، وكان الإقطاع شراً خالصاً فكان ينبغي أن يزول، وكان الدين الذي تقدمه الكنيسة وتطغى به على الناس يحوي بعض الحقائق وكثيراً من الأباطيل، فكان يمكن أن تصحح أباطيله، ويستبدل به الدين الحق، الخالي أساساً من الأباطيل.
ولكن اليهود حين دخلوا في الأمر لم يدعوا الفرصة لتصحيح الدين، وإنما استغلوها فرصة سانحة لتحطيم الدين، وهذا هو الدور الحقيقي الذي لعبوه في الثورة الفرنسية.
وفي المقال القادم سنتطرق للأهداف التي دفعت اليهود للتدخل لتغيير مسار الثورة الفرنسية.