العدمــية العالم كله بما في ذلك وجود الإنسان عديم القيمة وخال من أي مضمون أو معنى حقيقي

التعريف

العدمية مذهب أدبي وفلسفي ملحد، اهتم بالعدم باعتباره الوجه الآخر للوجود، بل هو نهاية الوجود، وبه نعرف حقيقة الحياة بعيداً عن النظرة المثالية والنظرة الواقعية السطحية.

التأسيس وأبرز الشخصيات
من أهم الشخصيات العدمية في مجال الأدب “ديستوفسكي” الروائي الروسي، وفي مجال الفلسفة “نيتشه” صاحب مقولة (موت الإله)، والعدمية ترى أن الوجود الإلهي وعدمه سواء ولا يحسن أن يجهد الناس أنفسهم في هذا الموضوع. والمؤرخون يفرقون بين الإلحاد والعدمية من حيث أن الملحد يختار جانب الإلحاد الصريح (سارتر مثلاً) أما “العدمي” فيرى أن المسألة سواء (يستوي الوجود الإلهي وعدمه)، و”ديستوفسكي” يرى أنه إذا كان الإله غير موجود فكل شيء مباح ولا معنى للأخلاق.
وهذا المذهب مرفوض شرعا لأننا مطالبون بتقرير الوجود الإلهي والتوحيد الخالص، وتقرير ارتباط قيام الأخلاق بالتشريع الإسلامي، لذا فالأديب والفيلسوف العدمي يناقضان الإسلام.
وقد برزت العدمية في روايات الواقعية النقدية لـ”جوستاف فلوبير” 1821-1880م و”أندريه دي بلزاك” 1799-1850م، وفي أعمال الطبيعة الانطباعية لـ”إميل زولا” 1840-1902م في القرن التاسع عشر. إلا أن الأديب الفرنسي “جوستاف فلوبير” هو المعبر الأول عن العدمية في رواياته، ثم أصبحت مذهباً أدبياً لعدد كبير من الأدباء في القرن التاسع عشر.
ويعد الشاعر والناقد “جوتفريد بن” 1886-1956م من أبرز العدميين الذين وضحوا معنى العدمية كمذهب أدبي، إذ قال بأن العدمية ليست مجرد بث اليأس والخضوع في نفوس الناس بل مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود.
وقد رحب هذا الشاعر بالحكومة النازية عندما قامت في الثلاثينات من هذا القرن على أساس أنها مواجهة حاسمة للوجود الراكد. إلا أنه عُدَّ عدواً للنازية لأنه قال بأن البشر متساوون أمام العدم والفناء، وليس هناك جنس مفضل على غيره. وقد صودرت جميع أعماله الأدبية عام 1937م.

الأفكار والمعتقدات
– إن الإنسان خُلق وله إمكانات محدودة، وعليه لكي يثبت وجوده، أن يتصرف في حدود هذه الإمكانات، بحيث لا يتحول إلى يائس متقاعس أو حالم مجنون.
– إن البشر يتصارعون، وهم يدركون جيداً أن العدم في انتظارهم، وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له.
– ينحصر التزام الأديب العدمي في تذكرة الإنسان بحدوده حتى يتمكن من استغلال حياته على أحسن وجه.
– العمل الأدبي يثبت أن لكل شيء نهاية، ومعناه يتركز في نهايته التي تمنح الدلالة للوجود، ولا يوجد عمل أدبي عظيم بدون نهاية وإلا فقَد معناه، وكذلك الحياة تفقد معناها إذا لم تكن لها نهاية.
– الرومانسية المثالية في نظر الأديب العدمي مجرد هروب مؤقت لا يلبث أن يصدم الإنسان بقسوة الواقع وبالعدم الذي ينتظره، وقد يكون في هذا الاصطدام انهياره أو انحرافه.
– يهدف الالتزام الأدبي للعدمية إلى النضوج الفكري للإنسان ورفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم.
– تهدف العدمية إلى إلغاء الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، لأن المعرفة الإنسانية لا تتجزأ في مواجهة قدر الإنسان، وإذا اختلف طريق العلم عن طريق الفن فإن الهدف يبقى واحداً، وهو: المزيد من المعرفة عن الإنسان وعلاقته بالعالم.
إن اتهام العدمية بالسلبية وإشاعة روح اليأس، يرجع إلى الخوف من لفظ العدم ذاته، وهذه نظرة قاصرة، لأن تجاهل العدم لا يلغي وجوده من حياتنا.
العدمية ليست مجرد إبراز الموت والبشاعة والعنف والقبح ولكن الأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال ذلك إلى معنى الحياة، وبذلك يوضح بأن العدم هو الوجه الآخر للوجود، ولا يمكن الفصل بينهما لأن معنى كل منهما يكمن في الآخر.

الجذور الفكرية والعقائدية
ترجع العدمية في أفكارها إلى مسرحيات الإغريق القدامى، التي تصور الإنسان وصراعه مع الأقدار وكأنه صراع ضد فكرة العدم.
وكذلك العقائد النصرانية وما تتضمنه من معاني الموت، ونهاية العالم، واليوم الآخر.. الخ.
إلا أن العدمية لم تبلور العقيدة الدينية في الحياة والموت.. في الإيمان الذي يبعث على عمل الخير والجد، والاجتهاد لإعمار الأرض لتكون الحياة عليها سعيدة مطمئنة. وإنما اقتصرت على تصوير معاني العدم والجانب السلبي في الحياة، على نحو يوحي بأن العدم هو الوجود الخالد، وطالما كان الأمر كذلك فإن الإلحاد يحيط بالعدمية من كل جانب.

أماكن الانتشار
انتشرت العدمية في فرنسا وإنجلترا بشكل خاص، والعالم الغربي عامة.

يتضح مما سبق
أن العدمية مذهب أدبي ملحد يعتبر العدم نهاية الوجود، ووفقاً لهذا المذهب ينحصر التزام الأديب العدمي في تذكير الإنسان بحدوده حتى يستغل حياته استغلالاً عدميًّا، ينضج معه فكر الإنسان، حسب زعم هذا المذهب، نضجاً يرفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم إلى مرتبة الأديب المدرك له والذي يلغي الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، فالأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال الموت والبشاعة والعنف والقبح إلى معنى الحياة العدمية، فالعدم هو الوجه الآخر للوجود. ولا شك أن هذه الأفكار متناقضة تماما مع ما جاء في شرعنا الحنيف، ولا تخدم أي هدف أخلاقي أو ديني، بل إنها تتنافى كلية معهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *