دخلت الفلسفة اليونانية إلى بلاد المسلمين عن طريق ترجمة العلوم القديمة إلى اللغة العربية، في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري وما بعده، ثم انتشرت في مختلف الأقطار الإسلامية على أيدي الفلاسفة وأتباعهم، والمتأثرين بهم، والمحبين لهم.
أولا: ترجمة الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية
تعود بدايات ترجمة الفلسفة اليونانية، إلى زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور (136-158هـ)، الذي أمر بترجمة بعض الكتب القديمة . ثم توسع مجال الترجمة زمن الخليفة هارون الرشيد ( ت193هـ) عندما أمر الطبيب النصراني يُوحنا بن ماسويه، بترجمة الكتب القديمة التي عثر عليها بمدينتي أنقرة وعمورية وسائر بلاد الروم، وعيّنه أمينا عاما على عملية الترجمة من اللغات القديمة إلى اللغة العربية .
ثم توسعت أكثر في أيام الخليفة المأمون المعتزلي المتشيع ( 198-218هـ)، بشكل أكبر ومنظم، فأرسل إلى ملوك بلاد الروم يطلب منهم الكتب القديمة، ليترجمها إلى اللغة العربية، فأرسلوا إليه كتبا كثيرة، من مصنفات فلاسفة اليونان وغيرهم من العلماء .
ومعظم الذين تولّوا ترجمة الكتب القديمة إلى اللغة العربية، هم من أهل الذمة، وقلة منهم من المسلمين، كالفيلسوف يعقوب الكندي، وأما الذميون فمنهم: يوحنا بن ماسويه، وحنين بن إسحاق، وإسحاق بن حنين، وحبيش بن الأعسم، و ثابت بن قرة الصابئ، ويحيى بن البطريق، وإقليدس بن ناعمة، وزروبا بن ماجوه الحمصي، وآوي بن أيوب، وأصطفن بن باسيل، وصليبا أيوب وداريع الراهب، وغيرهم كثير .
وأما ما ترجمه هؤلاء من علوم الأوائل، فتأتي الفلسفة اليونانية في مقدمتها، وكانت تظم أربعة علوم رئيسية، أولها: المنطق، وثانيها: الطبيعيات كالحيوانات والنباتات والأجسام والمحسوسات. وثالثها: الإلهيات -الميتافيزيقا- وهي خاصة بغيبيات ما وراء الطبيعة. ورابعها: المقادير، وتسمى أيضا: التعاليم، وتشمل عدة علوم كالهندسة، والأثماطيقي -العدد-، والموسيقى والهيئة -علم الفلك- .
ونشير هنا إلى أن عملية ترجمة العلوم القديمة إلى اللغة العربية صاحَبتها نقائص كثيرة، وكانت لها آثار سلبية خطيرة على المجتمع الإسلامي، سنذكرها بشيء من التفصيل فيما يأتي إن شاء الله تعالى.