المرحلة الثانية… أولاً: السفسطائيون

في هذه المرحلة نجد أن موضوع الفلسفة قد تغير؛ إذ أصبح الموضوع يدور حول الإنسان بدلا من الكون الطبيعي المحسوس، وذلك أن السفسطائيين قد حوَّلوا البحث الفلسفي من الطبيعة إلى الإنسان بعد، أن رأوا عدم جدوى البحث في العالم الطبيعي.

أولاً ـ السوفسطائيون1:
عوامل النشأة
بعد فلاسفة المدرسة الطبيعية الثانية، طرأت على المجتمع اليوناني أحداث سياسية أدت إلى تطورات هامة تركت آثارًا سيئة في الحياة الدينية والأخلاقية والسياسية في بلاد اليونان، كان أهم تلك التطورات هو ظهور موجة من الإلحاد تجلَّت في إنكار الآلهة، وأنها لا تستحق التقديس أو العبادة، كما تجلت في الثـورة على الموروثات القديمة المتعارف عليها، والإقبال على كل جديد مستحدث.
ونتيجة اختلاف الفلاسفة في بيان أصل العالم، وتناقض أقوالهم في ذلـك حـدث ارتياب لدى الناس، وظهر جماعة من الفلاسفة يوجهون النقد والتشكيك لآراء الفلاسـفة السابقين، ثم اتسعت دائرة النقد والتشكيك لتشمل أمورًا أخرى بجانب النظريات الفلسفية؛ مثل العقائد الدينية وسلوك الإنسان في حياته، وحقائق الأشياء.
كذلك لما ظهرت في عصر السفسطائيين أسباب النزاع والخلافات أمام المحاكم في الجانب السياسي نشأ الجدل والخطابة وفنون الحوار والمحاورة، وأصبح التزود بمثل هذه الأمور ضرورة للتغلب على الخصوم في المناقشات والمحـاورات، ووسـيلة للظهـور والترقي في الحياة السياسية، بغض النظر عن تحري الحق في ذاته أو الوصـول إلـى الصواب.
في هذا الجو المشحون بـالتمرد والإلحـاد واتساع دائرة النقد والتشكيك، ظهرت جماعة السفسطائيين الذين كـانوا مـرآة صـافية انعكست فيها صورة هذا العصر.
مذهب السفسطائي:
ذهب السفسطائيون إلى أنه ليست هناك قضايا عامة تتساوى العقول في إدراكها فالإنسان وحده هو مقياس كل شيء، فما يراه حقًا فهو حق بالنسبة إليه، وما يراه بـاطلا فهو باطل بالنسبة إليه، بمعنى كان شعار السفسطائيين: “الإنسان مقياس كل شيء” أو “الحقائق نسبية”.
ولما كانت الخطابـة من أهم العلوم التي تهيئ الإنسان للنجاح السياسي؛ فقد اختص السفسطائيون بتعليمهـا للشباب الأثيني الراغب في الوصول إلى السلطة والمشاركة في السياسة، وكان السفسطائيون يعلمون الناس بالأجر، وكان كل سفسطائي قد اختص بعمل معين اشـتهر بـه، وكرَّس حياته ونفسه له.
وهكذا هدم السفسطائيون قواعد الأخلاق، وأنكروا الآلهة بالإضافة إلى إنكارهم حقائق الأشياء، وقالوا لا وجود لها إلا في الخيال، وهكذا صار الأمر فوضـى وأصـبح الناس أحزابًا متفرقة في آرائها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ

-1 السفسطائي: هو المتحكم الذي يـذكر وجـوه المغالطـات، وكيفيـة التحـرز منهـا، والسفسطائيون هم الذين لا يثبتون حقائق الأشياء، والسفسطائيون مشتقة من كلمة (سوفيست)، وهي تدل في اليونانية على المعلم، والسفسطة كانت تعنى -في ابتداء الأمر- تعلُّم قواعد البلاغة ودراسة التاريخ وفنون الطبيعة ومعرفة الحقوق والواجبات، ثم اقتصرت على فن الجدل والحرص على الغلبة دون التزام بالحق والفضيلة، وأصبحت مرادفة لكلمتي التضليل والخداع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *