تكلمنا في الحلقة السابقة عن وجود الله تعالى عند أرسطو، وقدم العالم، وبراهينه في قدم العالم، وفي هذا الحلقة سنتطرق إلى:
ثالثًا: صفات الله تعالى في نظر أرسطو
قال أرسطو: (الله هو الكل)، وقال أيضًا: (الله عقل وعاقل ومعقول)، فالله في نظـر أرسطو) :ذات أزلية ليس جسمًا، وهو معقول ومعشوق، ليس فـي مكــان، تحريكــه للموجودات ليس عبثًا أو خبط عشواء، وإنما هو لقصد وغاية، وهو بسيط لا كثـرة فيـه بوجه من الوجوه، وإلا لكان ممكن الوجود جائز الانحلال).
يقول أهل الفلسفة في شرح هذه العبارة: (إنه إذا جردت الذات تجريـدًا تامـًا؛ كانت عقلا وماهية مجردة، وهذه الماهية المجردة، إذا نظرنا إليها من حيث هي كذلك، فهي عقل ومن حيث هي مجردة لشيء فهي معقولة، وذات الله مجـردة فهـي عقـل، ومجردة لذاته فهي معقولة لذاته، وباعتبار أن ذاته ماهية مجردة لذاتـه فهـو عاقـل لذاته .(
وبيان ذلك: أن واجب الوجود لذاته عقل لذاته، وعاقل ومعقول لذاته، عقل من غيره أو لم يعقل، أما أنه عقل؛ فلأنه مجرد عن المادة منزه عن اللوازم المادية، فلا تحتجب ذاته عن ذاتـه، وأما أنه عاقـل لذاتـه؛ فلأنـه مجرد لذاته، وأما أنه معقول لذاته؛ فلأنه غير محجوب عـن ذاتـه بذاتـه أو بغيره، قال الأول يعقل ذاته ثم مـن ذاتـه يعقـل كـل شـيء فهـو يعقـل العالم العقلي دفعة واحدة من غير احتياج إلى انتقال، وتردد من معقول إلى معقول، وأنه ليس يعقل الأشياء.
وذهب أرسطو إلى أن الأول “الله” لا يعقل إلا ذاته، وينفي علم الله بالعالم؛ لأن في ذلك سقوطًا يجب تنزيه الله عنه، وأنه لا يليق بالله المتصف بالكمال أن يعلم العالم وهـو أقل منه، فلو علمه كان ناقصًا مثله، ومن ثم اتُّهِم أرسطو بالإلحاد، وإذا كان الله عنـده لا يتصل بالعالم من جهة الخلق والتدبير، ولا من جهة العلم؛ فما قيمة هذا الإله؟ وما منزلته؟ وما الفائدة من الإيمان بوجوده ووحدانيته، وكونه محركًا للعالم؟
إن هذا الرأي الذي نادى به أرسطو -أن الإله لا يعقل إلا ذاته- يسـتلزم أن الله لا يعلـم العالـم بحجة أن العالم شيء دنيء بالنسبة إلى الله، وأن الأشياء توجد وتنعدم دون أن يريد الله لها ذلك أو يعلم من أمرها شيئًا.
فالإله في نظر أرسطو سيكون منطويًا علـى نفسه، غير عالم بشيء من الكون، ولا مريدًا لما يجري فيه من أحداث، فهـو إذًا ينفـي التدبير الإلهي للعالم، ولقد تعرض أرسطو نتيجة هذا الرأي لحملة من الهجوم مـن قبل تلاميذه، وغيرهم من الحكماء.
لا شك أن تلك الآراء -وغيرها مما سبق ذكره- تتناقض مع المعتقد الصحيح، وسيأتي معنا في آخر السلسلة حكم الفلسفة والرد على تلك الآراء، وإنما نذكر تلك الآراء هنا من باب عرض وجهة نظر أرسطو وليس من باب النقد.