المقاومة السنية العلمية للفلسفة اليونانية -خلال العصر الإسلامي- الكشف عن الانحرافات السلوكية لرجال الفلسفة اليونانية

اهتم بعض علماء أهل السنة بكشف الانحرافات السلوكية لدى الفلاسفة المسلمين، كوسيلة من وسائل مقاومتهم للفلسفة اليونانية ورجالها، فما مظاهر ذلك؟ وماذا ترتب عنها؟

أولا: مظاهر الانحراف السلوكي عند الفلاسفة المسلمين
حرصت طائفة من علماء أهل السنة على التركيز على مسألة الانحراف السلوكي لدى الفلاسفة المسلمين، لأهميته القصوى في مقاومتهم والتصدي لفكرهم؛ فقد أشار ابن الجوزي إلى أن أقواما من الفلاسفة المسلمين تخلوا عن شعار الدين، وأهملوا الصلوات، ولابسوا المحذورات، واستهانوا بحدود الشريعة، وخلعوا ربقة الإسلام عنهم.
وذكر ابن قيم الجوزية، أن أكثر الفلاسفة المسلمين ضلوا في حياتهم، وتحلّلوا من الشريعة، وأقبلوا على شهوات البطن والفرج والرياسة، والأمثلة على ما قاله ابن الجوزي وابن القيم كثيرة أذكر منها طائفة تمثل 14 شخصية من أهل الفلسفة، أولهم يعقوب بن إسحاق الكندي البغدادي (ت ق:3هـ)، قال عنه المؤرخ شمس الدين الذهبي: كان متهما في دينه، بخيلا ساقط المروءة، أعجبته بلاغته فشرع في محاكاة القرآن الكريم، لكنه أذعن بعد أيام وعجز عن القيام بذلك.
وثانيهم الفيلسوف أبو نصر الفارابي (ت339هـ)، وصفه الحافظ ابن كثير بأنه كان نتنا قبيحا ضالا، منكرا للمعاد الجسماني، ثم قال عنه: وإن كان مات على ذلك فعليه لعنة رب العالمين.
وثالثهم الشاعر المتفلسف ابن هانئ الأندلسي (ت 362هـ)، كان ماجنا فاسقا كثير الانغماس في الملذات والمحرمات، متهما بدين الفلاسفة، له شعر يُفضي به إلى الكفر.
ورابعهم الأديب الفيلسوف أبو حيان التوحيدي (ت ب: 400هـ)، قال عنه الحافظ شمس الدين الذهبي: ضال ملحد، كثير الفضائح، مجاهر بالبهتان، كذاب قليل الدين والورع، صنف كتابا كذب فيه على الصحابة. وعدّه ابن الجوزي من كبار الزنادقة الذين عرفهم تاريخ المسلمين.
وخامسهم رئيسهم أبو علي بن سينا (ت 428هـ)، انتقده وذمه كثير من علماء أهل السنة، منهم أبو حامد الغزالي، كفّره لقوله بقدم العالم، وإنكاره المعاد الجسماني، وقوله أن الله يعلم الكليات دون الجزئيات. وقال عنه أبو عمرو بن الصلاح: (لم يكن من علماء الإسلام، كان شيطانا من شياطين الإنس). وذكر عنه ابن تيمية أنه -أي ابن سينا- صنف بعض كتبه تقربا للمسؤولين، منها الرسالة الأضحوية في المعاد الأخروي، صنفها لأحد رؤساء زمانه تقربا إليه، ليُعطيه مطلوبه منه من الجاه والمال. وقال عنه الذهبي: هو من بين الذين مشوا خلف العقول وخالفوا الرسول. وقال عنه ابن قيم الجوزية: إنه كان من بين أصحاب دعوة الفاطميين والقرامطة الباطنية الزنادقة، الذين لا يؤمنون بمبدأ ولا معاد، ولا برب خالق ولا رسول مبعوث.
وأشير في هذا المقام إلى أنه رُوي أن ابن سينا عندما داهمه المرض، ولم ينفع معه علاج، اغتسل وتاب عما كان فيه، وتصدّق بما معه على الفقراء، وردّ المظالم وأعتق مماليكه، وأصبح يختم القرآن الكريم في كل ثلاثة أيام إلى أن تُوفي سنة 428 هجرية، وقال ابن كثير عن توبته: (يُقال أنه تاب عند الموت، فالله أعلم). وقال عنها المؤرخ اليافعي المكي: (والله أعلم بخاتمته وصحة توبته).
لكن المؤرخ ابن تغري بلدي أكد توبته -أي ابن سينا-، ودافع عنه فيما قاله فيه الذهبي: (مشى خلف العقول وخالف الرسول)، وعقّب عليه بقوله: (ومن يمشي خلف العقول، ويخالف الرسول، لا يُقلّد الأحكام الشرعية، ولا يتقرّب بتلاوة القرآن العظيم).
وقوله هذا مغالطة مكشوفة، وتحامل على الذهبي، فالذهبي قال عنه ذلك قبل توبته، التي هي إن صحت -أي توبته- دليل دامغ على أن الرجل كان منحرفا فكرا وسلوكا، وإلا مما تاب؟!، ولماذا رد المظالم لأهلها، وأقدم على فعل الخيرات والمواظبة على قراءة القرآن والإكثار منه عندما اقترب أجله؟ ولماذا كفّره أبو حامد الغزالي وغيره من العلماء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *