دخول الفلسفة اليونانية إلى البلاد الإسلامية

 

انحصر حديثنا في المقال السابق عن ترجمة الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية وفي هذا العدد سنتطرق إلى:
انتشار الفلسفة اليونانية في البلاد الإسلامية:
بعدما تُرجمت الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية، أقبل عليها طائفة من أهل العلم، فتأثروا بها وأحبوها وانتموا إليها، ونشروها في مختلف الأمصار الإسلامية، بفضل نشاطهم الدؤوب، وكثرة مصنفاتهم الفلسفية.
فمن رجالها الأوائل في القرن الثاني الهجري: والي حلب إسماعيل بن صالح بن علي الهاشمي العباسي.. والثاني هو: أبو الفضل صالح بن عبد القدوس الأزدي. والثالث: جابر بن حيان (ت200هـ)، صنف كتبا كثيرة في علوم الأوائل، كالكيمياء، والهيئة والطب، والفلسفة.
وفي القرن الثالث الهجري اشتهر من رجالها بالمشرق الإسلامي خمسة، أولهم الخليفة العباسي المأمون بن الرشيد، وبأمره تُرجم معظم تراث علوم الأوائل، وكان مطلعا عليه، مزج بينه وبين علوم المسلمين.
وثانيهم الفيلسوف يعقوب الكندي البغدادي، كان من كبار المترجمين، وله مصنفات كثيرة في الفلسفة، منها: الحث على تعلّم الفلسفة، وكتاب لا تنال الفلسفة إلا بالرياضيات.
وثالثهم قدامة بن جعفر، برع في المنطق وكان من الفلاسفة البلغاء.
ورابعهم أبو معشر جعفر بن محمد البلخي البغدادي (ت272 هـ)، قرأ علوم الأوائل، وبرع في علم النجوم، وصنف فيها كتبا منها: كتاب هيئة الفلك، والاختيارات في منازل القمر.
وآخرهم: أحمد بن الطيب السرخسي البغدادي (ت 286هـ)، هو تلميذ يعقوب الكندي، له مصنفات كثيرة في الفلسفة، منها: اختصار إيساغوجي لفرفوريوس، واختصار كتاب فاطيو غورياس، واختصار كتاب بارير ميناس، واختصار كتاب أنالوطقيا الأولى.
وأما رجالها في القرن الرابع الهجري، فأشهرهم أربعة، أولهم: الطبيب أبو بكر بن زكريا الرازي ثم البغدادي، له كتب كثيرة في الطب والهندسة والفلك، والمنطق والإلهيات، منها: المدخل إلى المنطق والكيمياء، وهيئة العالم، ذكر فيه أن الأرض كروية، وأنها تتوسط الفلك، وأن الشمس أعظم من الأرض، والقمر أصغر منها. وله كتابان آخران رد فيهما على المتكلم المعتزلي الجاحظ، في انتقاداته للفلاسفة.
والثاني هو: أبو نصر محمد الفارابي (339هـ)، له مصنفات كثيرة في الرياضي والإلهي، وهو الذي أعاد تلخيص وتهذيب علوم الأوائل، عندما طلب منه ذلك أحد ملوك زمانه، فسمي عمله هذا بالتعليم الثاني، وسمي هو بالمعلم الثاني، وعلى مؤلفاته تخرّج الفيلسوف ابن سينا ومن جاء بعده من الفلاسفة.
وثالثهم: الوزير أبو الفضل بن العميد (ت 360هـ)، كان أديبا متفلسفا، مطلعا على علوم الأوائل، وأبو حيان التوحيدي (ت بعد:400هـ)، له مصنفات في الأدب والفلسفة، منها كتاب كبير في تصوّف الحكماء والفلاسفة.
ويُلحق بهؤلاء أصحاب رسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء، وهم جماعة مزجوا بين الفلسفة والإسلام، وفق منهاجهم الباطني الإسماعيلي، عاشوا في القرن الرابع الهجري، منهم: زيد بن رفاعة، وأبو محمد النهرجوري، وعلي بن هارون الزنجاني.
ومن رجالها -أي الفلسفة- في القرن الخامس الهجري: الفيلسوف المشهور أبو علي بن سيناء (ت 428هـ)، له مصنفات في الفلسفة اليونانية ذائعة الصيت، منها: كتاب الشفاء، جمع فيه كل علوم الفلسفة السبعة، ثم لخّصه في كتاب النجاة، ومنها أيضا: كتاب الإشارات والتنبيهات في المنطق والفلسفة، وكتاب الموجز الكبير في المنطق، والموجز الصغير في المنطق.
والثاني هو: أبو الحسن علي بن رضوان المصري (ت 453هـ)، كان من كبار الفلاسفة الأطباء، كثير الرد على أرباب طائفته، وله كتب كثيرة.
وثالثهم: ملك بلاد الروم ركن الدين بن قلج أرسلان (ت 600هـ)، كان ينتسب للفلسفة، ويحمي رجالها ويكرمهم ويأويهم.
ومن رجالها في القرن السادس الهجري: القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي البغدادي، المعروف بقاضي المارستان (ت 535هـ)، كان عالما بعلوم الأوائل، كالمنطق، والحساب، والهندسة.
والثاني شهاب الدين يحيى بن حبش السهروردي الحموي المقتول (ت 587 هـ)، كان جامعا للفنون الفلسفية، وبارعا في أصول الفقه، لكنه أحمق طياش، منحل مغرور، كان يقول: لابد أن أملك الدنيا!.
وأما رجالها في القرن السابع الهجري، فمنهم الفيلسوف الأديب عبد اللطيف البغدادي (ت 629هـ)، كان طبيبا أديبا، والثاني هو: قاضي القضاة رفيع الدين عبد العزيز الجيلي (ت 642هـ)، توسع في علوم الأوائل، وتولى قضاء بعلبك ودمشق، ولم يكن مستقيم السيرة. وثالثهم أبو الفتح بن المبارك البغدادي (ت 645 هـ)، برع في الطب والهندسة، والشعر والأدب، وأقرأ علوم الأوائل في داره.
ورابعهم عز الدين بن حسن الإربلي الضرير الشيعي (ت 660 هـ)، كان رأسا في علوم الأوائل، وأقرأ الفلسفة في بيته للمسلمين وأهل الذمة على حد سواء، لكنه كان فاسد العقيدة والسلوك. وآخرهم المتكلم المتفلسف نصير الدين الطوسي (ت 672 هـ)، كان وزيرا لملك المغول هولاكو خان.
هذا هو حال الفلسفة في بلاد المشرق، وأما حالها وحال رجالها في بلاد الغرب الإسلامي -المغرب والأندلس- فنرجئه إلى العدد القادم إن شاء الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *