أشرنا في المقال السابق إلى الدور الذي قام به كارل ماركس لترسيخ فكرة اللادينية واعتبار البعد عن الدين والأخلاق أمر يقتضيه التطور والتقدم.
واليوم نكمل عرض الدور اليهودي في ترسيخ تلك الفكرة ولكن هذه المرة من تخصص آخر ألا وهو علم النفس.
جاء في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون: (يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا، إن فرويد منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه).
فبالنسبة لفرويد، كانت البداية أيضًا من نظرية دارون، ولكن من جانب فلم يأخذ من دارون جانب التطور، وإنما أخذ عنه حيوانية الإنسان.
إن ميدان بحثه هو النفس الإنسانية، هو المشاعر والانفعالات، هو العالم الداخلي في مواجهة العالم الخارجي، الذي تحدث عنه ماركس، النفس في نظره هي الميدان الأصيل للحياة، عن تركيبها الذاتي تنبثق الأفعال والأفكار والمشاعر، وتتحول إلى وقائع عملية في واقع الحياة، أي أنه -من جهة البحث- يأخذ بالضبط الجانب المقابل لماركس، ومع ذلك -ومن عجب- يصل معه إلى النتيجة ذاتها في موضع الدين والأخلاق، ويتخذ في بحثه نفس التفسير الحيواني للحياة الإنسانية وللإنسان.
ولكن الحق أن الصورة التي يرسمها فرويد للنفس الإنسانية كانت أفحش وأخطر في تلويثها لتلك النفس والانحطاط بها إلى الحضيض، وإن التقت مع ماركس في النهاية عند نقطة تسخيف للدين والأخلاق، واعتبارهما قيمًا غير أصيلة في الحياة البشرية، وإنما انعكاساً لشيء آخر.
ما هي نظرية فرويد؟
تتلخص نظرية فرويد عن النفس الإنسانية في الآتي:
إن الحياة النفسية للإنسان ليست حيوانية فحسب، ولكنها كلها تنبع من جانب واحد من جوانب الحيوان، هو الجنس المسيطر على كل أفعال الإنسان.
فحقيقة الإنسان الباطنية العميقة ليست هي الطاقة الشهوانية فحسب، وإنما هي على وجه التحديد الطاقة الجنسية، الجنسية بالذات دون أي طاقة أخرى من طاقات الإنسان أو الحيوان، فالمولود يرضع ثدي أمه بدافع جنسي، ويتبرز بدافع جنسي، ويظل يتعامل مع الآخرين بناءً على هذا الدافع وحده، واستمد من ماديته (جبرية) نفسية تجعل الإنسان خاضعاً لغريزته مسَّيراً بها بلا اختياره، فهو لا يملك إلا الانصياع لأوامرها، وإلا وقع فريسة الكبت المدمر للأعصاب.
أما الدين فهو في أصل الشعور بالندم الذي استولى على أبناء الأسرة البشرية البدائية الأولى حين قتلوا أباهم، لأنه كان يحول بينهم وبين اللقاء الجنسي مع الأم، فابتداء الدين في صورته الأولى عبادة للأب، ثم تطور إلى عبادة (الطوطم)، ثم تطور إلى عبادة القوى الخفية في صورة الدين السماوي، والأخلاق تطورت في المراحل نفسها باعتبارها جزءاً من الدين أو مستمدة منه.
وليس هنا مجال مناقشة فرويد، ولكننا نلحظ فقط شيئاً بارزاً في نظريته النفسية، فقد كان الجنس في أوروبا رغم بدء الانحلال الخلقي فيها طاقة مستقذرة، ينفر الناس من الحديث عنها وكشفها للنور، فيجيء فرويد، فيصر إصراراً على أن يفسر النفس كلها، بجميع ألوان نشاطها من خلال هذه الطاقة المستقذرة بالذات، ويفسر الدين والأخلاق بصفة خاصة بأنها انبثاق جنسي، وجنسي على وجه التحديد!!
وكأنه يريد أن يصل إلى أنه: إذا كان الجنس المحرك الأساسي للإنسان فلِم النظر إليه كأمر بشع مستقذر؟
بل لما النفور عن الحديث عنه أو حتى ممارسته بحرية؟
ولماذا يجب على الإنسان أن يتمسك بعقد “الدين”؟
تلك كانت النتائج التي أراد فرويد الوصول إليها من خلال نظريته.
ومما يثير الانتباه أن مؤلفات فرويد جميعها تعبر عن يهوديته أكثر مما تعبر عن منهجه العلمي، وهذه اليهودية تظهر جلية في التدنيس والتلويث المتعمدين للجنس البشري، وهي ظاهرة بارزة في التوراة المحرفة، كما تتجلى في الإفساد المتعمد للأخلاق والتآمر الخبيث على القيم الإنسانية وهما مضمون وفحوى التلمود.
ويكفي للدلالة على ذلك موقف فرويد من المسيح عليه السلام؛ كان التلمود يصف المسيح عليه السلام بأقذع النعوت وأشنع الألقاب، ولكن الكنيسة كانت تلاحقه في كل مكان بالحرق والمصادرة مما اضطر الحاخامات إلى ترك مكان العبارات التي تذكر المسيح عليه السلام خالية، ووضع مربعات فارغة محلها أو الإيماء إليه من طرف خفي.
ولقد كانت تلك النظرية بمثابة التفسير العملي الذي أعطى للشاب والفتاة ممارسة كل أنواع الانحلال الأخلاقي، بدافع أن ذلك من طبيعة الإنسان المادية والحيوانية ولا شك أن الحالة التي كانت تمر بها أوروبا من التحول إلى الصناعية قد أثَّرت أبلغ الأثر في انتشار هذا المفهوم.
طرحنا دور ماركس وفرويد وبقي لنا ثالثة الأثافي دوركايم ونظريته في علم الاجتماع المستمدة من نظرية التطور وهذا ما سنتطرق له في المقال القادم.