نقد موقف ابن رشد في تأويله للشريعة

نقد فكر الفيلسوف ابن رشد الحفيد
على ضوء الشرع والعقل والعلم -دراسة نقدية لكشف حقيقة فكر ابن رشد-

سادسا: موقف بعض أهل العلم من التأويل الرشدي:
تباينت مواقف أهل العلم من التأويل الذي تبناه ابن رشد ومارسه، ودعا إليه ودافع عنه، فبعضهم ذمه وأنكر عليه فعله، وبعضهم دافع عنه وأقره على منهجه التأويلي ومدحه عليه؛ أذكر منهم أربعة: أولهم شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، إنه تصدى للرد على ابن رشد، و توسع في انتقاده و الرد عليه في كتابه مجموع الفتاوى، ودرء تعارض العقل والنقل، وبيان تلبيس الجهمية، وقد انتقده انتقادا قويا وعميقا في المسائل المتعلقة بالجانب الشرعي من فكره.
فمن ذلك انتقاده لابن رشد في مسألة التأويل الباطني، فجعله من باطنية الفلاسفة المشائين أتباع أرسطو، وهو على طريقة ابن سينا في قوله بأن الشريعة مضروبة لتفهيم العامة ما يتخيلونه في أمور العقائد، كالإيمان بالله واليوم الآخر، لكن الحق الصريح الذي يصلح لأهل العلم هو أقوال الفلاسفة.
وقال أيضا: إن ابن رشد على رأي ابن سينا في القول بأن (الرسل أظهرت للناس في الإيمان بالله واليوم الآخر خلاف ما هو الأمر عليه في نفسه، لينتفع به الجمهور بذلك، إذ كانت الحقيقة لو أُظهرت لهم لما فُهم منها إلا التعطيل، فخيّلوا ومثّلوا لهم ما يُناسب الحقيقة نوع مناسبة، على وجه ينتفعون به).
وقال أيضا: إن ابن رشد على طريقة الجهمية والمعتزلة في تأويل رؤية الله تعالى يوم القيامة، فقد ادعى أن الرؤية في الباطن هي مزيد علم، وهذا زعم لم يذكر عليه حجة، والنصوص قد نصت صراحة، وعُلم منها بالضرورة أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- أخبر برؤية المعاينة.
وابن رشد عند ابن تيمية هو من عقلاء الباطنية الذين يقولون بالباطن المخالف للظاهر في العلميات، وليس في العمليات، التي يُقرونها على ظاهرها، وهذا قول عقلاء الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام مع اضطرابهم في الالتزام بالأعمال الشرعية لما في قلوبهم من المرض والنفاق.
تلك بعض الانتقادات والتعليقات التي ذكرها ابن تيمية في رده على ابن رشد، وهي تتعلق كلها بالتأويل التحريفي الذي مارسه ابن رشد في تأويله للشرع، وقد تبين منها أن ابن تيمية جعل ابن رشد من باطنية الفلاسفة، علما بأن الباطنية نوعان: باطنية الفلاسفة، وباطنية الصوفية، والتفسير الباطني هو أيضا نوعان: التأويل الباطني العملي، تُؤوّل فيه الأعمال الشرعية الظاهرة، كالصلاة والحج والزكاة، ويزعم أصحابه أن المقصود من تلك الأعمال ليس ما يعرفه الناس منها، وإنما لها بواطن يعرفها أصحاب التأويل الباطني العملية، وهم باطنية الصوفية، والنوع الثاني هو التأويل العلمي يُؤوّل ظواهر النصوص المتعلقة بالله تعالى وصفاته واليوم الآخر، ويدعي أصحابه ومنهم ابن رشد، أن لتلك النصوص باطن يُخالف الظاهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *