التعريف
الأفلاطونية الجديدة تسمية حديثة لآراء مجموعة من الفلاسفة والمفكرين الملاحدة تمتد من 250 ق.م حتى 550م وهذه الآراء تحاول إعطاء تفسير للكون والإنسان والحياة، لتلبية طموح الإنسان من النواحي الدينية والأخلاقية والعقلية.
وهي تختلف اختلافاً جوهريًّا عن آراء أفلاطون اليوناني: إذ إنها تؤمن بإله مفارق للكون، وهذا الإله يفيض عنه الكون والوجود كله بما فيه من مخلوقات.
والأفلاطونية الجديدة أثّرت كثيراً في أفكار بعض الفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا وغيره، ولا تزال تؤثر في كثير من الطرق الصوفية في العالم الإسلامي.. ومن هنا كان اهتمامنا بتوضيحها للقارئ المسلم.
التأسيس وأبرز الشخصيات
تأسست الأفلاطونية الجديدة في مدينة الإسكندرية على يد “أفلوطين” 205-270م الذي درس الفلسفة اليونانية واطلع على الديانات القديمة والأساطير والسحر والشعوذة.. وكتب كتابات كثيرة في مذهبه الذي سنوضح أفكاره لاحقاً.
ثم جاء “فرفرويوس” 234-305م ونشر كتابات “أفلوطين” وهاجم النصرانية بكتابه ضد المسيحيين وله عدة مؤلفات أخرى.
ثم أتى “مبليخوس” توفي عام 330م الذي ألف عدة رسائل فلسفية، منها أسرار مصرية وهي تفسير فلسفي لطقوس مصر وتعاليمها الدينية قبل الإسلام.
وجاء “أبرقلس” 410-485م الرجل المدرسي في الأفلاطونية الجديدة الذي عرض المذهب في مؤلفين: “مبادئ اللاهوت” و”لاهوت أفلاطون”.
أما “أوغسطين” 354–440م القديس الذي ولد في الجزائر من أم نصرانية وأب وثني، فقد انتسب إلى الأفلاطونية الجديدة، وقارن بينها وبين النصرانية، وقال بأن النصرانية هي الفلسفة الحقة!!
الأفكار والمعتقدات
الأفلاطونية الجديدة خليط من الأفكار والفلسفات والمعتقدات الوثنية واليهودية والنصرانية، والأساطير، وغيرها.
تدعو الأفلاطونية إلى إله تفيض عنه الأشياء جميعاً بحيث لا تنفصل عنه، فيضاً لا يتحدد بزمن أو تاريخ ولا يتقيد بإرادة ولا ينقطع، وهذا الفيض لا ينقص مصدره، بل يظل كاملاً غير منقوص.
وهذا الإله المبدأ الأسمى للوجود يطلق عليه واحد غير محدد بسيط لا كيف له، وهو الخير المطلق عندهم.
– عملية الفيض الأزلية تبدأ أولاً بالعقل أو الروح ثم النفس ثم الواقع الحسي في الزمان والمكان.
– عملية الفيض دقيقة موزونة بحيث لا تترك نقصاً أو ثغرات في الكون، أما النقص الذي في الإنسان أو الشر فهو ناتج عن ابتعاد الإنسان عن الخير أو عن الألوهية، وينتج عن ذلك الشوق إلى العودة إلى الله.
– الألوهية لا يمكن الوصول إليها عن طريق العقل، لأنه قاصر عن ذلك وإنما يمكن الوصول إليها عن طريق نوع آخر من المعرفة لا يتوصل إليها إلا بعد القضاء على نوازع الجسم المادي، والتطهير، ثم الفناء في الواحد، وهذه هي حالة الوجد أو النشوة التي يطمح أن يصل إليها الإنسان.
تأثير هذه الأفكار والمعتقدات
أثرت الأفلاطونية الجديدة في تفكير كثير من الفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا والفارابي وغيرهم وأخذوا عنها نظرية الفيض الإلهي، التي تدعي أن العالم يجيء صدوراً عن الله في صورة فيض، فمرتبة تفيض عن مرتبة.. وهكذا حتى تصل إلى أدنى المراتب.
وأثرت الأفلاطونية الجديدة في التصوف أيضاً وخاصة في أولئك المتصوفة المتأثرين بالفلسفة.. ثم فشا تأثيرها في طرق التصوف. وخاصة فيما يتعلق بعملية التطهير أو التزكية للوصول إلى المعرفة الكاملة أو الإيمان الكامل، وهو سعي الإنسان جاهداً للوصول إلى المصدر الذي صدر عنه والفناء فيه، وما يحتاج إليه ذلك من مجاهدة شديدة الصلابة لإماتة نوازع الجسد المفطور عليها.
الجذور الفكرية والعقائدية
أخذت الأفلاطونية الجديدة من “أفلاطون” خيالاته في عالم المثل، ومن “أرسطو” تساؤلاته عن المعاني الكلية وهل لها وجود مستقل؟ ومن الرواقيين السمو الخلقي والترقي الروحي، ومن النصرانية تأثيراتها الروحية والخلقية، ومن البوذية مسألة التطهير والتزكية والفناء في المصدر الأول.
إلا أن ما جاء به “أفلوطين” من أفكار وآراء حول عملية الفيض أو الصدور عن الله يعد جديداً في بابه كما يرى كثير من المفكرين.
الانتشار ومواقع النفوذ
تأسست الأفلاطونية الجديدة في الإسكندرية، وانتشرت في الفكر الأوربي اللاهوتي كله والفكر الصوفي النصراني والإسلامي.
ويتضح مما سبق
أن الأفلاطونية الجديدة، هي خلاصة آراء بعض الفلاسفة الملحدين، وهي خليط من الأفكار والفلسفات والمعتقدات الوثنية واليهودية والنصرانية والأساطير وغيرها، تقول بوجود إله “هو المبدأ الأسمى للوجود، بسيط لا نظير له، وهو الخير المطلق عند أتباعها، وهذا الإله تفيض عنه الأشياء جميعاً ولا تنفصل عنه، والعقل هو الأساس الوحيد لإدراك حقيقة الألوهية التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق نوع آخر من أنواع المعرفة”.
ولا شك أن هذه الآراء مرفوضة من الوجهة الشرعية، وقد أبان علماء الإسلام تهافتها من أكثر من وجه.