دخول الفلسفة اليونانية إلى البلاد الإسلامية

في هذه الحلقة سنكمل كلامنا عن الفلسفة اليونانية بذكر أمور لها علاقة وطيدة بهذه الفلسفة.

واضح مما ذكرناه عن هؤلاء الفلاسفة -المشارقة والمغاربة- أنه كان لهم دور كبير في خدمة الفلسفة اليونانية ونشرها في مختلف الأقطار الإسلامية، بفضل نشاطهم ونفوذهم عند بعض ذوي السلطان، وبما صنفوه من كتب كثيرة في الفلسفة اليونانية، دعوة ودفاعا، شرحا وتلخيصا.
وأشير في هذا المقام إلى جملة أمور لها علاقة وطيدة بالفلسفة اليونانية ورجالها، أولها أنه توجد طائفة من الفلاسفة عاشوا بين المسلمين وهم من أهل الذمة، وكان لهم دور بارز في خدمة الفلسفة اليونانية ونشرها بين المسلمين، منهم ثلاثة من أسرة واحدة، هم: المنجم ثابت بن قرة (ت288هـ)، وابنه إبراهيم، وحفيده الطبيب ثابت بن سنان، وكانوا كلهم على دين الصابئة عبدة الكواكب. ورابعهم أبو بشر متى بن يونس البغدادي (ق: 4هـ)، كانت له حلقة ببغداد يُدرّس فيها المنطق، يحضرها مئات من المشتغلين بالمنطق، ومن تلامذته المشهورين أبو نصر الفارابي.
وخامسهم أبو الفرج بن الطيب النصراني (ق:5هـ)، شرح كتبا كثيرة لأرسطو وأبُقراط، وقد زادت مصنفاته المشروحة عن ثلاثين كتابا. وسادسهم الطبيب بن مرقيس النصراني البغدادي (ق:6هـ)، أقرأ المنطق والفلسفة في بيعة النصارى ببغداد، وقد حضر دروسه بعض المسلمين. وآخرهم ابن كمونة اليهودي البغدادي (ق:7هـ)، من مصنفاته: شرح كتاب التلويحات في المنطق والحكمة للسهروردي المقتول.
والأمر الثاني، هو أن المتكلمين في القرن السادس الهجري وما بعده، توسّعوا في دراسة الفلسفة اليونانية ومزجها بعلم الكلام، حتى أصبح كثير منهم ينتمي إلى المتكلمين والفلاسفة معا، أشهرهم: محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت548 هـ)، والفخر بن الخطيب الرازي (ت 606 هـ)، وسيف الدين علي الآمدي (ت 631هـ).
والأمر الثالث هو أن المنطق اليوناني شهد انتشارا واسعا بين أهل العلم في القرن السادس الهجري وما بعده، منذ أن أدخله أبو حامد الغزالي ( ت505 هـ) في أصول الفقه، وحثّ عليه وجعله مدخلا لكل العلوم، ومن لم يحط به فلا ثقة في علمه حسب زعمه.
وبتأثير منه -أي الغزالي- أقبل كثير من أهل العلم على المنطق الصوري وتنافسوا فيه، وقد أحصيت لهم أكثر من ثلاثين كتابا صنفوه في المنطق. ولاشك أن ما فعله هؤلاء هو خدمة كبيرة للفلسفة اليونانية، وانتصار كبير لها في تغلغلها بين أهل العلم المسلمين، وفي تأثيرها على الفكر الإسلامي وغزوه.
والأمر الرابع هو أن الفلسفة التي راجت بين المسلمين -خلال العصر الإسلامي- وتكلمنا عنها سابقا، لم تكن تمثل الفلسفة اليونانية بكل اتجاهاتها المتعددة، وإنما هي -في الغالب- الفلسفة المشائية، وهي فلسفة أرسطو وأتباعه من المسلمين وغيرهم.
وختاما لما ذكرناه في هذا الفصل، يتبين منه أن الفلسفة اليونانية كان لها رجال كثيرون نشطون، نشروها في مختلف الأمصار الإسلامية، وصنفوا فيها كتبا كثيرة، مما جعلها خطرا داهما يهدد الإسلام والمسلمين، لما تحمله في باطنها من انحرافات اليونان وضلالاتهم، وما أضافه إليها أتباعها من أخطاء وأباطيل، خلال العصر الإسلامي، كالذي فعله ابن رشد في شروحه لكتب أرسطو.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *