ركّز بعض العلماء السنيين -في مقاومتهم للفلسفة اليونانية- على نقد خصائصها الفكرية العامة، من حيث رجالها ومميزاتها ومنهجها الفكري. ففيما يخص رجالها فقد انتقد الشيخ تقي الدين ابن تيمية بعضهم، وقال: إن كبارهم -كالفارابي وابن سينا- كانوا على رأي معلمهم أرسطو، وبعضهم كان شديد التعصب له ولفلسفته والانتصار له والذب عنه.
وقال: إن كلام شيخهم أرسطو في الإلهيات فيه خطأ كبير وتقصير كثير، وهو في غاية الاضطراب كثير الضلال وعظيم المشقة، ليس فيه من الحق إلا القليل، الذي هو كلحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيُرتقى، ولا سمين فيُنتقل إليه، لكنه مع ذلك اعترف بأن لأرسطو كلام جيد في الطبيعيات مع قليل من الخطأ، وصواب كثير في الرياضيات، وكلامه فيها ككلام غيره من الناس لهم فيها غلط قليل.
ذلك ما قاله الشيخ ابن تيمية عن طبيعيات أرسطو في القرن الثامن الهجري، حسب معارف وعلوم عصره، لكن الأصح أن خطأ أرسطو وأصحابه في الطبيعيات كثير جدا، وليس قليلا، وذلك أن العلم الحديث أظهر أخطاء كثيرة جدا وأساسية في طبيعيات، فمن ذلك زعمه بأن الأرض ثابتة، وأن الشمس باردة، وأن النعامة لها أظلاف، وليست لها أصابع، وأن المرأة لا دخل ولا دور لها في إنجاب الجنين وأن دور الدماغ لا دخل له في عملية التعقل، وإنما دوره هو مجرد تبريد القلب، وأن العالم أزلي أبدي، لا بداية له ولا نهاية، وغير ذلك كثير جدا.
وانتقدهم أيضا المحقق ابن قيم الجوزية، مبتدء بأرسطو ومنتهيا بأتباعه المسلمين المشائين، فقال عن معلمهم أرسطو: إنه كان مشركا معطلا للصفات جاحدا للنبوات والمعاد والكتب، وقائلا بقدم العالم، وكلامه في الإلهيات -ما وراء الطبيعة- خطأ من أوله إلى آخره، فجاء بما يسخر منه العقلاء، فزعم أن الله لا يعلم شيئا من الموجودات، وأنه يتعب ويكل من تصوّره للمعلومات، وقال عن أتباعه من الفلاسفة المسلمين أنهم كانوا على نهج سلفهم المشائين، في الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فتلاعب بهم الشيطان كتلاعب الصبيان بالكرة.
وأما فيما يخص الخصائص العامة، فقد ذكر كل من ابن تيمية وابن قيم الجوزية، أن الفلسفة اليونانية عامة والمشائية خاصة، فيها كثير من الخلط والتخبّط، والخرص والركاكة، والغثاثة والظنون الكاذبة، إلى جانب كثرة العيوب والعورات والضلالات، كزعمها أن الله لا يعلم الجزئيات، وأنه لا علم له بما صدر عنه من مخلوقات، ولا قدرة له عليها، ولا إرادة له فيها، وأن من خصائصها أيضا الزندقة والإلحاد، وأنها أعظم اختلافا من جميع مذاهب المسلمين واليهود والنصارى.
وذكر ابن القيم أن الفلسفة المشائية مبنية على الجهل والرجم بالغيب، والقول على الله بغير علم، فزعمت أن العالم صدر عن العقول والنفوس، والكل صدر عن الواحد، الذي لا علم له بما صدر عنه، والواحد -أي الله- لا يصدر عنه إلا الواحد، وقولهم هذا -في نظر ابن القيم- زعم باطل، لأن العالم الذي نشاهده فيه تعدد وكثرة في المخلوقات، مما يُكذّب ما زعموه، والذي هو (ضحكة للعقلاء، وسخرية لأولي الألباب)، وهذا كله من تخليط ابن سينا في سعيه لتقريب مذهب المشائين إلى الشريعة الإسلامية.
وأما بالنسبة لمنهجها الفكري، فقد كانت لعلماء سنيين انتقادات كثيرة لها، منهم أبو حامد الغزالي، قال: إن منهج الفلاسفة يفتقد إلى الإتقان، ويقوم على الظن والتخمين، والثاني هو المؤرخ عبد الرحمن بن الجوزي، حدد انحراف الفلاسفة المنهجي في أنهم أبعدوا الوحي من طريقهم وانفردوا بآرائهم وعقولهم، وتكلموا بمقتضى ظنونهم في مختلف قضايا الكون، وهذا كله من تلبيسات الشيطان عليهم.
وثالثهم شيخ الإسلام ابن تيمية، ذكر أن منهج الفلاسفة يقوم على الظنون الكاذبة، والأقيسة الفاسدة، والتصورات الكلية الباطلة، فيكوّنون في أنفسهم تصورات كلية مجردة ثم يظنون أنها موجودة في الخارج، كتصورهم لإنسان كلي، أو لفرس كلي أزلي، أو للعقول العشرة والنفوس الفلكية، وهذه كلها تصورات باطلة هي في غاية الفساد.
وانتقد -أي ابن تيمية- الفلاسفة المسلمين في أنهم أقاموا منهجهم الفلسفي على إبعاد الوحي واتباع سبيل سلفهم الضالين المليء بالتناقضات، التي لا تخفى على أذكياء الصبيان، فأقاموا ضلالهم على ضلال غيرهم، وتعلّقوا بالكذب في المنقولات وبالجهل في المعقولات.