الثورة الفرنسية: بوادر وأحداث ونتائج

بعد أن أنهينا ثلاث مراحل في طريقنا لمعرفة كيف كانت مراحل تكون الفكر الغربي الحديث، وكيف تبلور الفكر منذ القرون الأولى مرورًا بالعصور الوسطى حتى عصر النهضة.

وبعد أن رسمنا خطوطًا عامة في فهم أسباب الثورة على الكنيسة؛ نشرع اليوم في ذكر الحدث نفسه، وكيف كانت الثورة الفرنسية هي نقطة تحول في تاريخ أوروبا من قارة نصرانية إلى لادينية.
لقد بدأت نذر الثورة على الكنيسة ورجال الدين منذ عصر النهضة، وبدأ الكتاب يتمردون على سلطان الكنيسة الطاغي ويهاجمون رجال الدين، بل يهاجمون كذلك خرافات ذلك الدين الكنسي ومعمياته.
وفي الوقت الذي عيل فيه صبر الشعب وأنهكته المجاعة والبؤس، كان هناك طبقتان تترنحان في أعطاف النعيم وتنغمسان في مختلف الملاذ، وهما: طبقة رجال الدين، وطبقة الأشراف، بالإضافة إلى الأسرة المالكة التي كانت عبئًا ثقيلاً على الجميع.
وكان إنقاذ الشعب يتطلب منه أن يقوم بعمل يودي بالظلم ويزيح كابوسه عن المهضومين، ووقف الشعب بكل فئاته “الفلاحين، المهنيين، القساوسة الصغار” جبهة واحدة، وكانت الجبهة الأخرى ائتلافاً بين الطبقتين المحتكرتين “رجال الدين والأشراف”.
وعندما بدأت أحداث الثورة الفرنسية في 14 يوليو 1789م، بدأ معها مسلسل مخيف من القتل الجماعي، وذاع صيت طبيب يدعى جيلوتين لاختراعه آلة قتل عرفت باسمه وعرفناها باسم المقصلة، التي التهمت أرواح العديد من الأبرياء والشرفاء تحت شعار الثورة، ولم تكن إلا فوضى وتسارع بربري نحو القتل الجماعي.
وقامت الثورة الفرنسية تدعو إلى ثلاث شعارات: الحرية، والإخاء، والمساواة.
فأمام هذا خرجت الثورة الفرنسية تقول: لا. المواطنون كلهم سواء في الحقوق والواجبات، ففرحت أوروبا.
والحقيقة أنها جاءت بظلم آخر، فالثورة الفرنسية رفعت ظلم الإقطاعيين، وجاءت بظلم الرأسماليين، فدفعت ظلم الملوك، وجاءت بظلم نابليون وأمثاله.
وكانت الأمور قد تطورت في أعقاب قيام الثورة الفرنسية التي قضت على الملك لويس السادس عشر وزوجته الشهيرة الأميرة النمساوية ماري انطوانيت وترك ولدهما يموت في السجن وهو صبي دون الثانية عشرة.
جاء هذا التطور في شكل تجمع خارجي للقوى المحيطة بفرنسا وعلى رأسها بريطانيا والنمسا وإسبانيا والبرتغال وروسيا وبلروسيا وسردينيا ونابولي قرر الهجوم على فرنسا إلى جانب الحرب الأهلية التي اشتعلت بين الملكيين وأنصار الثورة.
نتيجة لذلك أصدرت الجمهورية الفرنسية قراراً في الخامس من شتنبر 1793م يجعل “الإرهاب” المظلة الوحيدة لكل التحركات وكما أسموه “أصبح الإرهاب نظام اليوم”.
كان تفسير القرار باختصار هو القضاء الفوري على النبلاء ورجال الدين وأولئك الذين لديهم ممتلكات خاصة ومخزون للطعام، من هنا بدأت موجة عاتية من العنف والقتل عرفت باسم (حكم الإرهاب).
وقد اخترع روبسبيير مجموعة فريدة من التهم يعاقب مقترفها بالإعدام:
– التعرض للوطنية بالسب أو القذف.
– بث روح اليأس لدى المواطنين.
– ترويج أخبار كاذبة.
– انتهاك الأخلاقيات.
– إفساد الضمير العام.
– تعكير البراءة والطهارة الثورية، وتعويق طاقة الحكومة.
وإذا وضعنا في الحسبان مقولة روبسبيير بأن الرأفة مرادفة لقتل الأمهات أو الآباء؛ لعرفنا أن المحاكمة كانت تعني دائماً الموت، وارتفع معدل تنفيذ الأحكام إلى ثلاثين حكماً يومياً مع بداية نونبر 1793م.
وهكذا اكتسحت الثورة الفرنسية في طريقها ما كان قد تراكم من المظالم خلال ألف وأربعمائة عام، وأزالت الطبقتين الحاكمتين الطاغيتين المتحالفتين، رجال الإقطاع ورجال الدين.

نتائج الثورة الفرنسية
يعتبر التركيز على حقوق الإنسان من أهم النتائج التي ترتبت عن الثورة الفرنسية، و التي استهلت بالتنصيص على الحرية والمساواة وحق الإنسان في تكوين الجمعيات السياسية والأمن والسلام، مع حرية الرأي والتعبير إضافة إلى أن ميزانية الدولة المجموعة من الضرائب تنفق في المصلحة العامة.
– استناد الحكم على الأمة والفصل بين السلط مع وضع دستور للبلاد منح حق الانتخاب لكل الرجال من دافعي الضرائب.
– وعلى الصعيد الإداري أقرت الثورة الفرنسية توحيد القانون واللغة الفرنسية بجميع أرجاء البلاد، وإلغاء الحواجز الجمركية الداخلية.
– وعلى الصعيد الخارجي طالب الثوار بمساعدة الشعوب من أجل الحصول على استقلالها.
ومع ذلك فإن الأمور -في تلك الثورة- لم تسر في مسارها الطبيعي، فعلى الرغم من كل الظلم المتراكم أكثر من ألف عام، من الإقطاعيين ورجال الدين سواء، وعلى الرغم من كل الحقد المشحون في الصدور تجاه هاتين الطبقتين، وعلى الرغم من وحشية الجماهير حين تتولى هي القيادة.
على الرغم من ذلك كله فقد كان يمكن أن تسير الثورة في تمردها وقضائها على الظالمين مساراً آخر، لولا أن يد خبيثة تدخلت لتتجه بالثورة في مسار معين، يخدم أغراضها هي قبل كل شيء أخر.. سواء خدم أو لم يخدم أهداف الآخرين!
فمن هي هذه اليد الخبيثة التي تدخلت، وعملت على تنحية الدين من الفكر والعقل الغربي؟
هذا ما سنتطرق له بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *