احتفظت البوذية ببعض صورها الأولى في منطقة جنوب آسيا وخاصة في سيلان وبورما، أما في الشمال وعلى الأخص في الصين واليابان فقد ازدادت تعقيداً وانقسمت إلى مذهبين هما:
1- مذهب ماهايانا (مذهب الشمال) ويدعو إلى تأليه بوذا وعبادته وترسُّم خطاه.
2- مذهب هنايانا (مذهب الجنوب) وقد حافظ على تعاليم بوذا، ويعتبر أتباع هذا المذهب أن بوذا هو المعلم الأخلاقي العظيم الذي بلغ أعلى درجة من الصفاء الروحي.
وقد عبروا عن بلوغ النفس الكمال الأسمى والسعادة القصوى وانطلاقها من أسر المادة وانعتاقها من ضرورة التناسخ بالينرفانا وتعني الخلاص من أسر المعاناة والرغبة، واكتساب صفاء الدين والروح، والتحرر من أسر العبودية واللذة، وانبثاق نور المعرفة عن طريق تعذيب النفس ومقاومة النزعات، مع بذل الجهد والتأمل والتركيز الفكري والروحي، وهو هدف البوذية الأسمى.
علاقتهم بالمسلمين الآن لا تحمل طابع العداء العنيف ويمكن أن يكونوا مجالاً خصباً للدّعوة الإسلامية.
كتب البوذية: كتبهم ليست منزلة ولا هم يدّعون ذلك بل هي عباراتٌ منسوبة إلى بوذا أو حكاية لأفعاله سجلها بعض أتباعه، ونصوص تلك الكتب تختلف بسبب انقسام البوذيين، فبوذيو الشمال اشتملت كتبهم على أوهام كثيرة تتعلق ببوذا أما كتب الجنوب فهي أبعد قليلاً عن الخرافات.
تنقسم كتبهم إلى ثلاثة أقسام:
1- مجموعة قوانين البوذية ومسالكها.
2- مجموعة الخطب التي ألقاها بوذا.
3- الكتاب الذي يحوي أصل المذهب والفكرة التي نبع منها.
وتعتمد جميع كتبهم على الآراء الفلسفية ومخاطبة الخيال وتختلف في الصين عنها في الهند لأنها تخضع لتغيرات الفلاسفة.
الجذور الفكرية والعقائدية
ليس هناك ما يثبت أن للبوذية جذوراً فكرية أو عقائدية إلا أن الناظر في الديانات الوضعية التي سبقتها أو عاصرتها يجد بينها وبين البوذية شبهاً من بعض الجوانب مثل:
الهندوسية: في القول بالتناسخ والاتجاه نحو التصوف.
الكونفوشيوسية: في الاتجاه إلى الاعتناء بالإنسان وتخليصه من آلامه.
ينبغي أن يلاحظ التشابه الكبير بينها وبين النصرانية وبخاصة فيما يتعلق بظروف ولادة المسيح وحياته والظروف التي مرّ بها بوذا مما يؤكد تأثر النصرانية بها في كثير من معتقدات هذه الأخيرة.
الانتشار ومواقع النفوذ
الديانة البوذية منتشرة بين عدد كبير من الشعوب الآسيوية حيث يدين بها أكثر من ستمائة مليون نسمة، ولهم معبد ضخم في كاتمندو بالنيبال، وهو عبارة عن مبنى دائري الشكل وتتوسطه قبة كبيرة وعالية وبها رسم لعينين مفتوحتين وجزء من الوجه، ويبلغ قطر المبنى 40 متراً، أما الارتفاع فيزيد عن خمسة أدوار مقارنة بالمباني ذات الأدوار، والبوذية مذهبان كما تقدم:
المذهب الشمالي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة السنسكريتية، وهو سائد في الصين واليابان والتبت ونيبال وسومطره.
المذهب الجنوبي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة البالية، وهو سائد في بورما وسيلان وسيام.
ويمكن تقسيم انتشار البوذية إلى خمس مراحل:
1- من مطلع البوذية حتى القرن الأول الميلادي وقد دفع الملك آسوكا البوذية خارج حدود الهند وسيلان.
2- من القرن الأول حتى القرن الخامس الميلادي وفيها أخذت البوذية في الانتشار نحو الشرق إلى البنغال ونحو الجنوب الشرقي إلى كمبوديا وفيتنام ونحو الشمال الغربي إلى كشمير وفي القرن الثالث اتخذت طريقها إلى الصين وأواسط آسيا ومن الصين إلى كوريا.
3- من القرن السادس حتى القرن العاشر الميلادي وفيه انتشرت في اليابان ونيبال والتبت وتعد من أزهى مراحل انتشار البوذية.
4- من القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر وفيها ضعفت البوذية واختفى كثير من آثارها لعودة النشاط الهندوسي وظهور الإسلام في الهند فاتجهت البوذية إلى لاوس ومنغوليا وبورما وسيام.
5- من القرن السادس عشر حتى الآن وفيه تواجه البوذية الفكر الغربي بعد انتشار الاستعمار الأوروبي وقد اصطدمت البوذية في هذه الفترة بالمسيحية ثم بالشيوعية بعد أن صار الحكم في أيدي الحكومات الشيوعية.
يتضح مما سبق
أن البوذية فلسفة وضعية انتحلت الصبغة الدينية وقد ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية، وقامت على أساس أن بوذا هو ابن الله ومخلص البشرية من مآسيها، وقد قال لأمه وهو طفل إنه أعظم الناس جميعاً، ولما مات بوذا قال أتباعه: إنه صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض وإنه سيرجع ثانية إلى الأرض ليعيد السلام والبركة إليها، ويقول البعض: إن بوذا أنكر الألوهية والنفس الإنسانية وأنه كان يقول بالتناسخ، وتعتمد جميع كتب البوذيين على الآراء الفلسفية ومخاطبة الخيال وتختلف البوذية في الصين عنها في الهند بحسب نظرة الفلاسفة.