فلسفة أرسطو
أولا: فلسفة أرسطو فيما وراء الطبيعة
وتسمى الفلسفة الأولى أو ما بعد الطبيعة، وموضوع هذه الفلسفة هو الوجود الثابت الذي لا يتغير.
عارض أرسطو أستاذه أفلاطون الذي رأى أن الموجودات الطبيعية ليست إلا ظلالا للمثل؛ فقرر أن الموجودات الحقيقية هي الموجودات المحسوسات، وأما المثل التي هي الكليات فليس لها إلا الوجود العقلي فحسـب.
والعقـل ينتزع المثل )المفاهيم) من الموجودات الحقيقية، وهذه الموجودات تدرك بالمشـاهدة لا بالفكر، وإذا كان وجود الأجسام الطبيعية حقيقيًا؛ فإن أرسطو أخذ في تفسـيرها، وقـال إنهـا مركبة من مبدأين: الهيولى والصورة.
فالهيولي كلمة معربة عن اليونانية معناها مادة غير معينة أصـلا، وبهـا تشـترك الأجسام في كونها أجسامًا، وهي الموضوع الذي تقوم به الصفات، وهي فـي ذاتهـا لا توصف ولا تحد، ويمكن أن توصف إذا خلعت عليها الصورة.
وأما الصورة: فهي المبدأ الذي يعين الهيولى ويعطيها ماهية خاصة، ويجعلهـا شـيئًا واحدًا، وهي ما نتعقله في الأجسام من الصـفات؛ كـاللون والخفـة والثقـل، والجمـال واللمعان، والانطفاء والحلاوة.
وتعتمد فلسفة أرسطو فيما وراء الطبيعة على نظريته في العلَّة، والتـي يمكـن تلخيصها على النحو الآتي:
يفسِّر أرسطو عن طريق العلَّة العناصر الميتافيزيقية المسببة للتغيرات المختلفة في الكائنات، ويُقسِّم أرسطو العلَّة إلى أربعة أنواع، هي:
-1العلَّة المادية: ما تكون مؤثرة في المعلول موجدة له؛ هي المادة التي تتكون منها الأشـياء؛ كالخشب والحديد بالنسبة للكرسي.
-2 العلَّة الفاعلة أو المحركة: وهي ما يؤثـر في إيجاد الشيء؛ كالنجار الذي يصنع السرير.
-3 العلَّة الصورية: وهي الأوصـاف والمميـزات التي بهـا تكون حقيقة الشيء وماهيته، كالشكل والتأليف للسرير.
-4 العلَّة الغائية([1]): وهي التي تشكل الغاية من وجود الشيء؛ أو يكون وجود الشيء لأجلها؛ كالجلوس على السرير فهي الغاية التي من أجلها وجد.
وقد اختصر أرسطو العلل الأربع في علتين فقط هما: العلة الماديـة والعلة الصورية؛ لاعتقاده بأن العلة الغائية ترجع إلى الصورة؛ والعلة الفاعلة ترجع إلى المادة. ثم أطلق على ما أسماه العلة المادية بالهيولى، وما أسماه بالعلة الصورية بالصورة، وعلـى الهيولى والصورة يعتمد أرسطو في تفسيره لتغيرات هذا الوجود وما يحدث فيه من كون وفساد.
علاقة الهيولى بالصورة
إن الهيولى لا تُشكِّل موجودًا ما إلا بعد أن تأخذ صورته، فهي فـي الخـارج لا توجد مستقلة عن صورة ما، وإنما وجودها فيه يكون بحلول صورة الشيء الموجود في تلك الهيولي المطلقة، فإن حلَّت في الهيولى صورة نبات وجد النبات في الخارج بمادتـه وصورته، وإن حلَّت فيه صورة حيوان وجد في الخارج حيوان بصورته ومادته، وهكذا تتعاقب الصورة على المادة؛ فتتشكل منها مختلف الأنواع والأجناس على اختلاف مراتبها في عالم الموجودات.
فإن حلَّت في المادة صورة موجود أدنى -كنبات أدنى مثلاـ أخذ الموجود مرتبـة نبات، وإن حلَّت صورة أرقى قليلا ـكصورة حيوان مثلاـ أخذ الموجود مرتبـة الحيـوان، وهكذا ترقى الموجودات برُقي صورها من مرتبة إلى أخرى، وتتدانى الموجودات بدنو صورها من مرتبة إلى أخرى في طريق عكسي.
وفي أثناء ذلك تتصارع الصورة والهيولى، فالهيولى تحاول أن تجذب الصـورة إلى موجود أدنى لأن طبيعتها مادة صرفة، والصورة تحاول أن تجـذب الهيـولي إلـى موجود أرقى؛ لأن طبيعتها المعنى المجرد عن المادة الذي هو غايـة الموجـودات فـي حركاتها إلـى أعلى، أي قد تنجح الصورة في جذب المادة إلى أعلى.
ويعلِّل أرسطو وجود شواذ المخلوقات في عالمنا هذا وحالات الإجهـاض فـي الحيوانات بأنه مظهر إخفاق الصورة في تشكيل موجود كامل من الهيولي.
إن المادة في نظر أرسطو هي وجود الشيء بالقوة، وأن الصورة عبـارة عـن وجود الشيء بالفعل، فوجود الأشياء هو خروجها من القوة إلى الفعل؛ وإعدام ما يعدم منها ليس إلا رجوعًا من الفعل إلى القوة.
ثانيًا: الطبيعة عند أرسطو
ويرى أرسطو أن الطبيعة لا تسير بغير قصد، بل تسير لغاية معينة، وأنهـا حيـة فـي السـماء والأرض وحكيمة في الإنسان والحيوان والنبات، وكل ما يجري من أفعالها فلا بد أن يكـون ذا مغـزى ظاهر أو خفي؛ فلا يصدر عنها فعل عابث أو مظهر بلا نتيجة، وبهذا يكون أرسطو قد خالف الفلاسفة السابقين، الذين نفوا القصد والغاية في الطبيعة، وزعموا أن أفعال الطبيعة إلـى الضــرورة الآليــة أو المصادفة الهوجاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- انظر في الفلسفة الإسلامية: د.محمد السيد نعيم ص:73؛ والمعجم الفلسفي 2/96؛ وحاشية موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة ومنهجه في عرضها؛ حاشية ص:363.