نقد فكر الفيلسوف ابن رشد الحفيد نقد موقف ابن رشد في موضوع وجود الله وصفاته وخلقه للعالم

وأما آخرهم -أي السابع- ، فهو الفيلسوف ابن رشد الحفيد يرد على نفسه بنفسه، فقد ذكر في كتابه تلخيص ما بعد الطبيعة لأرسطو، خلاف ما نقلناه عنه سابقا، فنصّ صراحة على أن الواحد-أي الله- لا (يعقل إلا شيئا واحدا بسيطا، وهو ذاته، ولا يمكن فيه أن يعقل كثرة ما، لا في ذاته ولا خارجة عن ذاته) تلخيص ما بعد الطبيعة، ص: 148، وقوله هذا هو تعبير عن رأيه هو ورأي سلفه أرسطو، وهو نقض لما ذكرناها في مقالات سابقة، فلماذا هذا التناقض، والازدواجية في الخطاب؟!، ففي كتابيه الكشف عن مناهج الأدلة، وتهافت التهافت، اللذين وجههما لجمهور المسلمين، نفى أن يكون الفلاسفة نفوا صفة العلم، وأنكر على الغزالي وخطّأه فيما حكاه عنهم، لكنه في كتابه تلخيص ما بعد الطبيعة ناقض نفسه، وكشف عن حقيقة موقفه وموقف أرسطو وأصحابه من صفة العلم، وأكد ما قاله أهل العلم الذين ذكرناهم قبله، من أن الله عند أرسطو والمشائين، لا يعلم إلا ذاته، فعجبا من ابن رشد، وما فعله في نفسه!!، فلماذا هذا التغليط والتدليس والتحريف؟؟، لماذا لم يكن صريحا مع نفسه ومع الناس؟!، إن سلوكه هذا مارسه كثيرا في مصنفاته، وهو لا يليق بالصادقين من أهل العلم والإيمان، ولا هو من شيمة الأحرار الشجعان.
وأما الشاهد الأخير – وهو الخامس- فيتعلق بانتصار ابن رشد لموقف أرسطو والمشائين في موقفهم من العقول والأجرام السماوية، إنه اعتنى بموقفهم منها، شرحا ودفاعا، انتصارا وتبنياً، مع خُطورته ومخالفته للشرع والعلم معا، وإثارته للضحك والاستغراب، فالعقول والأجرام السماوية عند أرسطو وأصحابه، هي كائنات أزلية خالدة ذات طبيعة إلهية، ولها دور في تسيير العالم.
وهذا الكلام الخطير -الباطل شرعا وعلما وعقلا- هو شرك صريح أقره ابن رشد، ولم يُنكره، وشرحه في بعض كتبه، فعندما تناوله في كتابه تهافت التهافت لم يُصرّح بأن الأجرام السماوية ذات طبيعة إلهية، لكنه ذكر بأنها أزلية ولها تصرف في العالم، لكنه في كتابه الفلسفي: تلخيص ما بعد الطبيعة، وصف الأجرام السماوية بأنها (الأجرام السماوية الإلهية)، فبدلا من أن يُنكر على أرسطو زعمه هذا، ويرد عليه بقوة، وافقه وقال بقوله!!.
وبذلك يتبين أن ابن رشد – في موقفه من إلهيات أرسطو- أنه انتصر لإلهيات باطلة، مثّلت فيها الخرافة والظنون والأوهام جانبا كبيرا منها، وتوضيحا للأمر أكثر، أذكر مواقف بعض أهل العلم من تلك الإلهيات، لمعرفة مدى جسامة خطأ ابن رشد في موقفه منها، ثم أُعقّب عليها بتعليق ختامي عام.
أولا فبالنسبة لأهل العلم فأولهم شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، فإنه يرى أن إلهيات أرسطو أكثرها مبني على مقدمات وسُفسطائية في غاية الفساد، وهي ناقصة جدا، وقليلة الفائدة، وكثير منها بلا حجة، لا يُتوصل إليها إلا بتعب كبير، وهي كما قيل: كمثل لحم جمل (غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيُرتقى، ولا سمين فيُنتقل)، وحظها في معرفة الله تعالى مبخوس جدا، ومُعطلة لكون الله ربا للعالم، وصاحبها-أي أرسطو- من أجهل الناس برب العالمين للغاية.
والثاني هو المحقق ابن قيم الجوزية، إنه يرى أن كلام أرسطو في الإلهيات كله خطأ من أوله إلى آخره، وقد جاء بما يسخر منه العقلاء، فادعى أن الله كان يُلحقه التعب والكلال من تصوّره للمعلومات، وأنكر أن يكون الله يعلم شيئا من الموجودات.
وآخرهم -أي الثالث- هو الباحث محمد علي أبو ريان، إنه يرى أن إلهيات أرسطو متناقضة في تصوّرها لله تعالى، فهي تصفه بأنه عاطل عن الفعل، فلا خلق ولا قدرة ولا اختيار ولا عناية، خاضع للضرورة اللولبية، ثم هي من جهة أخرى تصفه بأنه معشوق، وله الكمال المطلق والغبطة الإلهية والتأمل الإلهي، فمذهبه هذا هو حفظ للوجود بمعزل عن الله، حاول الربط بينهما بطريقة تعسفية، ثم (تعود لتضفي على الوجود الإلهي أسمى الصفات وأشرفها، دون أن يكون لهذه الصفات أدنى تأثير في المخطط الوجودي، فتكون هذه الصفات مجرد ألفاظ لا مدلول لها).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *