..الاتجاه اللاعقلاني في التعبيرية يعد الابن الشرعي للمذهب السريالي الأم، ولذلك يعد ثورة على منطق الحياة وعلى العقل، ولا يخضع لقواعد الفن.
التعريف
التعبيرية مذهب أدبي فلسفي تجريبي لا انطباعي، إذ يعطي الأديب فيه للتجربة بعداً ذاتيًّا ونفسيّاً وذلك على عكس الانطباعية التي تركز على التعبير عن الانطباع الخارجي عن الذات.
وقد اهتمت التعبيرية بالمسرح كما اهتمت بضروب الأدب الأخرى.
التأسيس وأبرز الشخصيات
لقد تفرعت المدرسة التعبيرية إلى اتجاهات متعددة وهي:
الاتجاه التطبيقي: يقول أصحاب هذا الاتجاه: إن مهمة الأدب هي تنشيط عقل الإنسان ووجدانه، ومنعهما من الركود والبلادة، وليس مجرد تقديم صورة لما يراه الإنسان بالفعل في حياته اليومية.
ومن شخصيات هذا الاتجاه “توللر” و”هاسين كليفر” و”بيتشر” و”كابر” والأمريكي “جون هاورد لوسون”.
الاتجاه اللاعقلاني: ويقول أصحاب هذا الاتجاه إن المعقول هو ما اتفق عليه الناس، وعلى المسرح أن يعالج ما لم يتفق عليه الناس بعد.
ومن شخصيات هذا الاتجاه:
“صمويل بيكيت” المولود سنة 1906م وهو روائي ومسرحي أيرلندي الأصل، كان يكتب مسرحياته بالفرنسية.
“أونسكو” المولود سنة 1912م وهو مسرحي روماني الأصل، ويعد من أركان مسرح اللامعقول.
ومن رموز التعبيرية أيضاً “كافكا” و”أونيل” الذي بلغت التعبيرية قيمتها في مسرحيته “أيام بلا نهاية”.
الأفكار والمعتقدات
يتركز هدف الفن التعبيري في التجسيد الموضعي الخارجي للتجربة النفسية المجردة، عن طريق توسيع أبعادها، وإلقاء أضواء جديدة عليها، لكي تكشف عن الأشياء التي يخفيها الإنسان أو التي لا يستطيعون رؤيتها لقصر نظرهم.
وتُجسد التعبيرية جوهر الأشياء، دون إظهار خارجها، ولذلك فهي لا تعترف بأن هناك تشابها بين الظاهر والباطن.
وتهتم التعبيرية بالإنسان كله، ولذا فإن الشخصيات في المسرح التعبيري تتحول إلي مجرد أنماط أكثر منها أناس من لحم ودم. وأحياناً تتحول إلي مجرد أرقام أو مسميات عامة.
وتقوم المسرحية التعبيرية على شخصية محورية تمر بأزمة نفسية أو عاطفية، لذلك يستعين المؤلف بعلم النفس في أحيان كثيرة حتى يبلور مأساة الشخصية الداخلية.
ركز أصحاب المذهب التعبيري على مهمة الأدب التقليدي الذي غالباً ما يتميز بالمحدودية والغباء وضيق الأفق.
الاتجاه اللاعقلاني في التعبيرية يعد الابن الشرعي للمذهب السريالي الأم، ولذلك يعد ثورة على منطق الحياة وعلى العقل، ولا يخضع لقواعد الفن، ويعتقد بأن الحياة في جوهرها وفي حقيقتها التجريدية شيء لا معقول أي غير مفهوم وغير قابل للفهم أو للتفسير.
ويعد هذا الاتجاه أيضا من أمراض العصر الحاضر المملوء بالقلق واليأس من الحياة، والمصير المظلم الذي ينتهي بالموت.
نقد للاتجاه اللاعقلاني في التعبيرية
هاجم الناقد الفرنسي: “مورياك” في كتابه الأدب المعاصر أدب “بيكيت” اللامعقول، فقال: (إننا لا نعرف من “بيكيت” شيئاً محققاً أو واضحاً ولا نفهم شيئاً مما يقول على حقيقته).
وكذلك هاجم أدب اللامعقول، الناقد “أندريه مارسيل” فقال: “يبدو أن الهدف الرئيسي لـ “بيكيت” هو كتابة العمل الأدبي الذي لا يكتب والذي لا يمكن تأليفه، إنها محاولة نحو المستحيل، وهي مأساة فشل لا مفر منه، ومجرد أكوام من الحطب المحترق التي تملأ الجو دخاناً في أرض مبهمة مجهولة”.
الجذور الفكرية والعقائدية
تعد الحرب العالمية الثانية، وما تركته من دمار في الأرض، ودمار في النفوس والأفكار المحضن الحقيقي للاتجاه اللاعقلاني في الأدب، لذلك كان اليأس والتشاؤم والقلق هو الغالب على مسرحيات هذا الاتجاه، إذ إن كثيراً من المفكرين والأدباء الأوروبين فقدوا الأمل في الفكر العقلاني الواعي، لأن ما جرى خلال الحرب ينافي العقل والمنطق في رأيهم.
الانتشار وأماكن النفوذ
نشأت التعبيرية في فرنسا وألمانيا وانتشرت بعد ذلك في أوربا والعالم الغربي كله.
يتضح مما سبق
أن التعبيرية مذهب أدبي فلسفي، يهتم بالتجربة الإنسانية، ويعطيها بعداً ذاتياً ونفسيًّا، فالعبرة فيه بجوهر الشيء لا بمظهره، لأنه لا يوجد أي تشابه بين الظاهر والباطن. وفي مجال المسرح يركز هذا المذهب على فكرة الشخصية المحورية التي تجتاز أزمة نفسية أو عاطفية ويتم تحليل أبعادها الخارجية من خلال معطيات علم النفس وأدواته. ويعد هذا المذهب مظهراً من مظاهر أمراض العصر الذي يغصّ بالقلق واليأس من الحياة والمصير المظلم الذي يسود كثيراً من دول الغرب وينتهي بكثير من الناس إلى فقدان الإحساس بقيمة الحياة والقيم الروحية التي تثريها وتجعل للإنسان فيها هدفاً ولوجوده معنى.
تعقيب
الإسلام لا يمنع التعبير عن مكنونات النفس إذا كان ذلك لا يتعارض مع معطيات الشرع، وفي نفس الوقت يحبب حياة الجد والعمل والاجتهاد، ويمحو مفاهيم الفوضى والعدمية واللامعقول من عقول الناس حتى لا تسيطر عليها وتحيل الحياة إلى جحيم لا يطاق.