موانع إجابة الدعاء

إذا أتى الداعي بآداب الدعاء، وتحرّى مواطن الإجابة حالاً وزماناً ومكاناً، فعليه التخلّص والابتعاد عما يمنع إجابة الدعاء.
وسنسوق بعض موانع الدعاء:
أولاً: أكلُ الحرام
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “أَيّهَا النّاسُ إِنّ اللّهَ طَيّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاّ طَيّباً، وَإِنّ اللّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) المؤمنون: 51، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) البقرة: 172، ثُمّ ذَكَـرَ الرّجُل يُطِيلُ السّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُـدّ يَدَيْهِ إِلَى السّمَـاءِ، يَا رَبّ يَا رَبّ وَمَطْعَمُـهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنّى يُسْتَجَابُ لِذَلِك؟”.
فكم جمع هذا المثال من آداب وأحوال يُستجاب معها الدعاء؟
فهو يُطِيلُ السّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ.
يمـدّ يَدَيْهِ إِلَى السّمَاءِ.
يَا رَبّ يَا رَبّ (تكرار الدعاء).
ومع ذلك بعيدٌ كل البعد أن يستجاب له، أو يُسمع دعاؤه.
والسبب: الحــرام فـ
1- مَطْعَمُهُ حَرَامٌ.
2- وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ.
3- وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ.
4- وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ.
فكيف يُستجاب لمن جمع تلك البليّـات؟!
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستعيذ بالله من دعوةٍ لا يُستجابُ لها.
ثانياً: استعجال الإجابة وترك الدعاء
أخبر الله -عز وجل- عن طبيعة الإنسان فقال: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) الأنبياء: 37.
وقال -جل جلاله-: (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَـاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُـولاً) الإسراء: 11.
والدّاعي قد تغلبه هذه الطبيعة البشرية فيترك الدعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لاَ يَزَالُ يُسْتَجَـابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَـدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ. قِيل: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَال: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدّعَاءَ.
وقد جمع هذا الحديث بين مانعين من موانع الدعاء:
الأول: الدعاء بالإثم.
والثاني: الاستعجال.
وأخرج البخاري ومسلم عن أَبَي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “يُسْتَجَـابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَـمْ يَعْجَـلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَـوْتُ رَبّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي”.
وفي خبر موسى صلى الله عليه وسلم أنه دعا ربَّه فقال: (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) يونس: 88.
فكان الجواب من ربّ الأرباب: (قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) يونس:89.
روي عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الضحاك أنـهما قالا -في قوله تعالى: (قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا) يونس:89-: كان بينهما أربعون سنة. وقال ابن جريج: يُقال إن فرعون ملك بعد هذه الآية أربعين سنة. قال مرزوق العجلي: دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضها لي، ولم أيأس منها.
أي أن دعاء موسى صلى الله عليه وسلم لم يُستجب إلا بعد أربعين سنة.
ولا بد أن يُعلم أن من وُفِّق للدعاء فقد وُفِّق لخير كثير، وليست الإجابة الفورية من شرط الدعاء، لأن من دعـا فهو أمام أحدِ ثلاثةِ أمور:
1- إما أن تُجـاب دعوته مباشـرة.
2- وإما أن يُصرف عنه من البلاء مثلما سأل.
3- وإما أن تُدّخر له في الآخرة أحوج ما يكون إلى الحسنات.
لحديث أبي سعيدٍ الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: “مـا من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحم إلا أعطاه الله بـها إحدى ثلاث: إما أن تعجل لـه دعوته، وإما أن يدّخرها لـه في الآخرة، وإمـا أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذاً نكثر؟ قال: الله أكثر”، حديث صحيح: رواه الإمام أحمد، والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما.
وكان عمرُ -رضي الله عنه- يقول: إنّي لا أحمل همَّ الإجابة ولكن همَّ الدعاء، فإذا أُلهمتُ الدعاء فإن الإجابة معه.
قال ابن الجوزي -رحمه الله-: “إذا وقعتَ في محنة يصعب الخلاص منها، فليس لك إلا الدعـاء واللجأ إلى الله بعد أن تُقدّم التوبة من الذنوب، فإن الزلل يُوجب العقوبة، فإذا زال الزلل بالتوبة من الذنوب ارتفع السبب، فإذا تُبتَ ودعوتَ، ولم ترَ للإجابة أثراً فتفقّد أمرك، فربما كانت التوبة ما صحّت فصححها، ثم ادعُ، ولا تملَّ من الدعاء، فربما كانت المصلحة في تأخير الإجابة، وربـما لم تكن المصلحة في الإجـابة، فأنت تُثاب وتُجاب إلى منافعك، ومن منافعك أن لا تُعطى ما طلبت بل تُعوّض غيره، فإذا جاء إبليس فقال: كم تدعوه ولا ترى إجابة، فقل: أنا أتعبّد بالدعاء، وأنا موقن أن الجواب حاصل، غير أنه ربما كان تأخيره لبعض المصالح فهو يجيء في وقت مناسب، ولو لم يحصل حصل التعبد والتذلل” صيد الخاطر: 305.
وقال -رحمه الله-: “من العَجَـب إلحاحـك في طلب أغراضك، وكلما زاد تعويقهـا زاد إلحاحك، وتنسى أنـها قد تُمنع لأحد أمرين: إما لمصلحتك، فربما مُعجَّلٌ أذى، وإما لذنوبك، فإن صاحب الذّنوب بعيد من الإجابة.
فَنَظِّف طُرق الإجابة من أوساخ المعاصي، وانظـر فيما تطلبه هل هـو لإصلاح دينك، أو لمجرّد هواك؟ فإن كان للهوى المجرّد، فاعلم أن من اللطف بك، والرحمة لك تعويقه، وأنت في إلحاحك بمثابة الطفل يطلب ما يؤذيه فيُمنع رفقاً به، وإن كان لصلاح دينك فربما كانت المصلحة تأخيره، أو كان صلاح الدين بِعَدَمِه، وفي الجملة فتدبير الحق -عز وجل- لك خيرٌ من تدبيرك، وقد يمنعك ما تـهوى ابتلاء ليبلوا صبرك، فَأَرِهِ الصبر الجميل ترى عن قربٍ ما يَسُرّ صيد الخاطر: 179.
وقال ابن رجب: “فإن المؤمن إذا استبطأ الفَرَج، وأيس منه بعد كثرة دعائه وتضرعه ولم يظهر عليه أثر الإجابة، رجع إلى نفسه باللائمة، وقال لها: إنما أتيت من قبلك، ولو كان فيك خير لأُجِبتِ، وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعـات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه أهل لما نـزل من البلاء، وأنه ليس أهلا لإجابة الدعاء، فلذلك تسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء، وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبـهم من أجله، قال وهب: تعبد رجل زمانا ثم بَدَتْ لـه إلى الله حاجة، فقام سبعين سبتا يأكل في كل سبت إحدى عشرة تمرة، ثم سـأل الله حاجته فلم يُعطها، فرجع إلى نفسه، فقال: منك أتيت، لو كان فيك خيراً أُعطيت حاجتك، فنـزل إليه عند ذلك ملك، فقال لـه: يا ابن آدم ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت، وقد قضى الله حاجتك” جامع العلوم والحكم 1/480.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *