من إحسان الله عز وجل إلى عباده، ما تكرم به عليهم من نعم لا تعد ولا تحصى، أفاضها تعالى على الإنسان إنعاما وإكراما له، يقول عز من قائل: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} إبراهيم:34، والله عز وجل لا ينتظر من العبد مقابلا ولا عوضا عن تلك النعم؛ فهو الغني والمتعالي عن ذلك علوا كبيرا.
يقول الشريف الجرجاني: “النعمة هي ما قصد به الإحسان والنفع لا لغرض ولا لعوض” التعريفات، ص:204.
فكما أن الله عز وجل قادر على إسباغ النعم على العبد بغير حساب فهو قادر عز وجل على الذهاب بها في لحظة واحدة يقول تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} النحل: 112، لذا فعلى المؤمن تحري وسائل فتح أبواب هذه النعم ودوامها والتماس سبل الاستزادة منها، فهذه أخي الحبيب بعض تلك السبل بأدلتها الشرعية، جعلنا الله تعالى وإياكم ممن أنعم الله عليهم في الدنيا والآخرة.
الإيمان والتقوى: صدق الاعتقاد بالله و رسوخ عقيدة المؤمن، مع التزام أوامره تعالى واجتناب نواهيه و اتقاء عذابه ورجاء مغفرته، مفاتيح لأبواب البركات والأرزاق، يقول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الأعراف: 96 ويقول عز وجل: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} الطلاق: 2-3
الاستقامة على الدين: الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده و لا يقبل عز وجل من عباده دينا غيره؛ فالاستقامة على منهج الإسلام يعتبر بابا من أبواب جلب النعم، يقول الله تعالى: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} الجن:16 يقول ابن كثير: “وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها {لأسقيناهم ماء غدقا} أي كثيرا والمراد بذلك سعة الرزق” تفسير القرآن العظيم لابن كثير 8/242.
الاستغفار والتوبة: فضل الاستغفار الدائم والتوبة الصادقة عظيم، فهما دلالة على ندم العبد على الذنوب والعزم على الإقلاع عنها، وإشارة إلى رغبة صادقة لإقبال القلب على الطاعة والتطلع إلى رضا الله عز وجل، ومن الآثار الظاهرة لدوام الاستغفار وصدق التوبة، فتح الله تعالى أبواب النعم بشتى أصنافها على العباد المستغفرين التائبين، يقول عز وجل: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} هود:52، ويقول تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} هود:3 ويقول عز وجل: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} نوح: 10-11-12
الدعاء: يقص علينا القرآن الكريم نبأ خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء بأن يسبغ على أم القرى نعمة الأمن ويرزق أهلها من الثمرات، يقول عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} البقرة: 126. وقد استجاب الله عز وجل دعاءه، ونحن نرى إلى يومنا هذا ما تنعم به مكة من نعمة الأمن وما خصها الله به من تعلق قلوب العباد بها، فجعل أفئدة الناس تهوي إلى البيت الحرام من كل بقاع العالم، وما أفاضه الله تعالى على أهلها من خيرات وأرزاق وفيرة.
إقامة شرع الله عز وجل: ومن سبل إغداق الله تعالى لنعمه على العباد، اتباع ما أنزل على رسله من كتب وما تضمنته من أحكام وشرائع، وتطبيقها والتحاكم إليها يقول عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} المائدة: 66
الدفاع عن حرمات الله تعالى: تعظيم حرمات الله عز وجل وحمايتها من عدوان المعتدين وصيانتها من دنس المشركين بما يتوفر من إمكانات، وإن كانت متواضعة، دلالة على عزة المسلمين وبرهان على اعتزازهم بشعائرهم والذود عنها، ومتى توافرت هذه الشروط وتحققت، كانت سببا في نصرة الله عز وجل لتلك الطائفة وإمدادها بالدعم المادي والمعنوي، يقول عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيم} التوبة: 28
الزكاة والصدقة: الصدقة تحصين لمال المؤمن من الضياع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما نقص مال عبد من صدقة” الترمذي: 2325، والزكاة إنماء للرزق الحلال وزيادة فيه والله يضاعف لمن يشاء، يقول عز وجل: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} البقرة: 261، والأمر لا يقتصر هنا على الإنفاق من المال فحسب بل يشمل شتى أنواع النفقات مما يحبه الله ويرضاه، يقول الله تعالى: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} التغابن:17
الحمد والشكر: الحمد اعتراف من العبد بنعم الله تعالى عليه ، ولابد من لزوم العبد لهذه السنة اقتداء بالرسل عليهم الصلاة والسلام، يقول تعالى: “فإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” المومنون:28، ويقول تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} النمل:15، وتأسيا بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فاسمه (محمد) عليه الصلاة والسلام يدل على كثرة الحمد، كما أن شكر الله تعالى على نعمه من أعظم السبل لدوامها والزيادة فيها، يقول الله عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} إبراهيم:7، ووسائل شكر النعم تكون قولا باللسان وعملا بالجوارح، من بين هذه الوسائل قيام الليل، فعن المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه- قال: “إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه، أو ساقاه فيقال له: فيقول: “أفلا أكون عبدًا شكورًا”. فتح الباري 1/760، يقول ابن حجر: “وفيه مشروعية الصلاة للشكر… وأن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان” فتح الباري 1/760-761.
ذكر النعمة وعدم نكرانها: كثير من العباد لا يدركون قيمة النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليهم ولا يستشعرون أهميتها إلا بعد فقدهم لها وزوالها عنهم ، لذلك فإن تذكر نعم الله تعالى واستحضارها في كل وقت وحين، يعتبر مدعاة لشكر الله تعالى وحمده عليها وبالتالي سببا في حفظها والاستزادة منها، يقول تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} البقرة:40، ويقول عز وجل: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} الضحى:11.
اجتناب المعاصي والذنوب: المعصية تحول بين العبد ونعم الله تعالى عليه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه” ابن ماجة 4022، وكلما اجتنب العبد المعاصي ولزم الطاعات كان ممن حفظ الله عليه نعمه الدينية والدنيوية، يقول الله تعالى: {ألَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} الأنعام: 6
نسأل الله تعالى دوام نعمه والزيادة من فضله، وأن يجعلنا من عباده الشاكرين.
والحمد لله رب العالمين.