تثبيت الله عز وجل لرسله وللمؤمنين طارق برغاني

المؤمن معرض للفتن والابتلاءات، وكل يبتلى على قدر إيمانه، فعن أبي سعيد الخدري أنَّه دخل على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو مَوْعوكٌ عليه قطيفةٌ، فوضع يدَه فوق القطيفةِ فقال: “ما أشدَّ حُمَّاك يا رسولَ اللهِ؟ قال: إنَّا كذلك يُشدَّدُ علينا البلاءُ ويُضاعفُ لنا الأجرُ.
ثمَّ قال: يا رسولَ اللهِ من أشدُّ النَّاسِ بلاءً؟
قال: الأنبياءُ.
قال: ثمَّ من؟
قال: العلماءُ.
قال: ثمَّ من؟
قال: الصَّالحون؛ كان أحدُهم يُبتلَى بالقملِ حتَّى يقتلَه، ويُبتلَى أحدُهم بالفقرِ حتَّى ما يجِدُ إلا العباءةَ يلبَسُها ولأحدُهم كان أشدَّ فرحًا بالبلاءِ من أحدِكم بالعطاءِ” صحيح الترغيب والترهيب 3403.
وكما قدّر الله تعالى الشدائد والمحن ليختبر بها عباده، جعل في مقابل ذلك أسباب الثبات على الحق، وطرق الصمود أمام هذه الابتلاءات، فهذه أخي الكريم بعض من تلك الأسباب والطرق ثبتنا الله وإياكم وجميع المسلمين على دينه.

معية الله عز وجل
كلما استشعر العبد معية الله تعالى له، واستحضر عناية الله عز وجل به اطمأن قلبه وسكنت روحه، فيزول عنه كل خوف وينقشع عنه كل هم وحزن.
ويوحي الله عز وجل إلى موسى وأخاه هارون مطمئنا لهما، بأن معيته لهما أقوى سند وأعظم دعم، فسمعه ورؤيته عز وجل لما سيدور بينهما وبين فرعون من حوار، زيادة في تثبيت النفوس وتأكيد لطمأنينة القلب، يقول تعالى: “قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ” طه:46، ويطمئن النبي صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه إذ هما في الغار، ويذكره بمعية الله تعالى وأن لا خوف ولا حزن بعد التوكل عليه عز وجل وحسن الظن به، فهو المدبر والحفيظ والنصير، يقول الله تعالى: “إلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا” التوبة:40.
فعن أَنَس بن مالك ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنِي ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏قَالَ: “كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي الْغَارِ فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَو أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا قَالَ‏: “مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا” فتح الباري/كتاب التفسير رقم:4663.

القرآن الكريم
كلام الله تعالى، أنيس العبد في الوحشة، ونور المؤمن في الظلمة ورفيق المسافر في الغربة، وهوالمثبت للقلوب عند اشتداد الكرب والحاشد للهمم عند احتدام الفتن، يقول الله تبارك وتعالى: “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا” الفرقان:32.

المعجزات
بعد عام الحزن وتوالي المحن الشديدة على النبي صلى الله عليه وسلم، بسبب وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها، وما لقيه صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف من إيذاء وسوء لما دعاهم إلى الإسلام، جاءت معجزة من أعظم المعجزات الإلهية خصها الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، تسلية له وتثبيتا لقلبه وسكينة لروحه، فأُسري به من مكة إلى بيت المقدس، ثم عُرج به صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى بالروح والجسد معا، يقول الله تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ” الإسراء:1.
وقد أيد الله تعالى نبيه موسى أمام جبروت فرعون وطغيانه، بمعجزات ظاهرة على سحر السحرة وكيدهم، أذهب الله بها عنه ما توجس في نفسه من خوف ورهبة، يقول الله عز وجل: “فأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ قلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ” طه:67-68-69.

الملائكة
جند من جنود الله، وغوث يمد به الخالق عز وجل الطائفة المؤمنة الصادقة، في كل زمان ومكان، إحقاقا للحق وإعلاء لكلمة الله تعالى، وشواهد ذلك كثيرة من الكتاب والسنة والحس، يقول عز وجل: “إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ” الأنفال:12، والواقع الذي وصفه كثير من أهل الإيمان ممن عاشوا معارك ضد أهل الكفر والشرك، من نزول الملائكة، تتناقله الآثار وتتداوله الكتب والأخبار.

أنباء الرسل
لم يلق أحد من البشر ما لقيه الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام من ألوان الابتلاء وصنوف المحن، ففي قصصهم أصدق العبر في الصبر، وفي أنبائهم أبلغ الأمثال في الثبات على الحق، يقول الله تعالى: “وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ” هود:120.

الدعاء والإلحاح فيه
الدعاء مفتاح صادق من مفاتيح النصر، وسبيل حقيق من سبل الثبات والتثبيت، ويضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة في ذلك، من خلال دعائه صلى لله عليه وسلم بالتثبيت والنصر في بدر.
فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: “اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ”، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فأنزل الله عز وجل”: “إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ” مسلم:1763.
ومن قبيل ذلك ما كان من الطائفة المؤمنة من بني إسرائيل وهم قلة بقيادة طالوت، فكان حقا على الله تعالى نصرهم، يقول عز وجل: “ولَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ” البقرة: 250-251.

تأليف الله تعالى بين قلوب المؤمنين وتأييد نبيه صلى الله عليه وسلم بهم
جعل الله تعالى المؤمنين كالجسد الواحد، وسر قوتهم وثباتهم في اتحادهم تكاملهم، وتحقيق ذلك يقتضي، تأليف الله تعالى بين قلوبهم حتى صاروا لحمة واحدة حول النبي صلى الله عليه وسلم، وسببا في تأييده صلى الله عليه وسلم ضد الشرك والمشركين، يقول الله تعالى: “وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوالَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوأَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” الأنفال:62-63.

وعد الله عز وجل بالنصر والتمكين
وعد الله حق ولن يخلف الله تعالى وعده، وإن اعترى المسلمين شيء من الوهن أو مرت بهم فترة من الضعف، فإن وعد الله تعالى بالنصر والتمكين سيتحقق يقينا ولو بعد حين، واستشعار هذه الحقيقة اليقينية وقود لثبات العبد وزاد لتمسك المؤمن بدينه، يقول الله تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” النور:55.

الرفقة الصالحة
الصاحب المؤمن والصديق الناصح والرفيق الصادق، معين لك على الثبات، ما دام يذكرك بالله عز وجل كلما نسيت، ويقوم اعوجاجك، وينبهك لزلاتك، ويحب لك الخير كما يحبه لنفسه وأهله، ويقص علينا القرآن الكريم في غير ما موضع نبأ موسى وهارون عليهما السلام، كمثل قوي على التآزر والتضامن والتعاضد أمام فرعون، يقول تعالى: “قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي” طه:25-32، ويرشدهما الله تعالى إلى سبب آخر من أسباب زيادة التثبيت والطمأنينة، بعد أن أنعم عليهما بنعمة الرفقة الصالحة، ألا وهو الذكر، يقول تعالى: “اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي” طه:42.

إنزال السكينة
صدق الإيمان بالله تعالى، وإخلاص القول والعمل له عز وجل، مدعاة لرضاه تعالى على المؤمنين، هذا الرضا الذي تتجلى مظاهره في إنزال السكينة عليهم، وإذهاب الروع عنهم، وإبدالهم الخوف أمنا، يقول الله تبارك وتعالى: “لقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا” الفتح:18 ويقول عز من قائل: “فأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” التوبة:40.

الإيمان والصبر
إمساك النفس عن الجزع من الابتلاء، ومنعها عن الضجر من المحن، ووقايتها من الانهزام أمام الفتن، من حسن إيمان المرء وخلوص عقيدته، وكلما تحققت تلك الشروط وتوافرت في العبد، صار ممن ثبتهم الله عز وجل أمام أعظم الابتلاءات وأشد الاختبارات، يقول الله تعالى: “قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” البقرة:249.
نسألك اللهم يا مقلب القلوب أن تثبت قلوبنا على دينك.
والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *