حتى يستجاب دعاؤنا

فمن موانع عدم إجابة الدعاء:
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر صمام أمان للفرد والجماعة، ومِن ذلك أن تركه سبب لعدم إجابة الدعاء.
فعن حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمانِ -رضي الله عنهما- عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: “وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُـرُنّ بالمَعْـرُوفِ وَلَتَنْهَوُنّ عَنِ المُنْكَرِ، أو لَيُوشِكَنّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ” حديث حسن: رواه أحمد 5/388 والترمذي 4/468..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: “مـروا بالمعروف وانـهوا عن المنكـر قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم” حديث حسن: رواه أحمد 6/159 وابن ماجه 4/359..
وينبغي أن يُعلم إلى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يُسوّغ ترك الدعاء.
كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون إلا بترك الإنكار بمراتبه الثلاث؛ الإنكار باليد واللسان والقلب.
ومَن أنكر بالقلب فإنه لم يترك الإنكار.
ومَن ترك الدعاء بترك الإنكار فقد جمع إلى الخطأ خطأ آخر، وإلى الذنب ذنباً آخر.
ارتكاب الذنوب والمعاصي
الذّنوب تسدّ طُرق الإجابة، وتُبعد عن علاّم الغيوب.
قال سبحانه موبِّخـاً الكفار: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ) غافر: 49-50.
إن المعاصي والذنوب مما يُقسّي القلوب، وإن أبعدَ شيءٍ من الله القلب القاسي.
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي” حديث حسن: رواه الترمذي 4/607 والبيهقي في شعب الإيمان 4/245.
ولذلك بوّب البخاري -رحمه الله- في أوائل كتاب الدعوات من الصحيح باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة، باب التوبة…
قال الحافظ ابن حجر: “أشار المصنف بإيراد هذين البابين -وهما الاستغفار ثم التوبة- في أوائل كتاب الدعاء إلى أن الإجابة تُسرع إلى من لم يكن متلبساً بالمعصية، فإذا قدّم التوبة والاستغفار قَبْلَ الدعاء كان أمكن لإجابته” فتح الباري بشرح صحيح البخاري 11/104-106 .
قال يحيى بن معاذ الرازي: “لا تستبطئن الإجابة إذا دعوت، وقد سَدَدْتَ طرقها بالذنوب” رواه البيهقي في شعب الإيمان 2/54.
قال ابن القيم: “يا مُستَفْتِحاً باب المعاش بغير إقليد التقوى، كيف توسع طريقَ الخطايا وتشكو ضيقَ الرزق، ولو وَقَفْتَ عند مرادِ التقوى لم يَفُتْكَ مُراد” الفوائد ص:77. ومعنى (إقليد) أي مفتاح..
الاعتداء في الدعاء
وقد تقدّم معنا أن الاعتداء في الدعاء نوع عبثٍ لا يليق بالقُربات، وقد ينصرف القلب عن الدعاء واستحضار المطلوب إلى تلك الاعتداءات التي تضر ولا تنفع.
فمن أراد إجابة دعائه فليجتنب الاعتداء في الدعاء.
غفلةُ القلب
قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ”.
قال ابن القيم -بعد كلام عن الرُّقية ونفعها-: وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره، إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيّتِه عليه وقت الدعاء، فيكون بمنـزلة القوس الرَّخْوِ جداً، فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا، وإما لحصول المانع من الإجابة؛ من أكل الحرام، والظلم، ورَيْنِ الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغَلَبَتِها عليها. الجواب الكافي (الداء والدواء ص:9) ..
ثلاثة أصناف لا يُستجاب لهم
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: “ثلاثة يَدْعُون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأةٌ سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يُشهد عليه، ورجل آتى سفيها ماله، وقد قال الله -عز وجل-: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ) النساء: 5″ وأورده الألباني في السلسة الصحيحة برقم:1805.
وعدم استجابة دعاء هؤلاء إنما هو في خصومهم المذكورين في الحديث.
قال المُناوي: رجل كانت تحته امرأةٌ سيئة الخلق فلم يطلقها، فإذا دعا عليها لا يستجيب له؛ لأنه المعذب نفسه بمعاشرتـها، وهو في سعة من فراقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه فأنكره، فإذا دعا لا يُستجاب له؛ لأنه المفرط المقصِّر بعدم امتثال قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) البقرة:282، ورجل آتى سفيهـاً -أي محجوراً عليه بِسَفَـهٍ- ماله، أي شيئا من ماله، مع علمه بالحجر عليه، فإذا دعا عليه لا يستجاب له؛ لأنه المضيع لِمالِـه فلا عُـذر لـه” فيض القدير (3/336)..
هذه بعض موانع إستجابة الدعاء فكن منها على حذر، واطلب ربك التوفيق لتجنبها، واطلبه تعالى أن يجعلك مستجاب الدعاء؛ فما أحوجنا إلى الدعاة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *