خلق الله تعالى الإنسان وحمله الأمانة، وجعله خليفة في الأرض لإعمارها وإقامة شرع الله عليها، وقد بعث الله تعالى الرسل والأنبياء وأنزل عليهم الكتب، لهداية الناس وإقامة الحجة عليهم، وما دام الإنسان قد تحمل هذه المسؤولية فهو لا محالة مبتلى بها ومعرضا لمختلف الفتن والمحن حتى يتحقق الغرض من خلقه واستخلافه في هذه الأرض.
يقول الله تعالى: “ألم، أحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ” العنكبوت:1-2-3، ويقول عز وجل: “تبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوعَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوالْعَزِيزُ الْغَفُورُ” الملك:1-2، فهذه سنة الله تعالى في اختبار عباده، وتمحيص قلوبهم، إلا أننا في نفس الوقت نجد أن القرآن الكريم والسنة النبوية، يرشداننا إلى وسائل شرعية لكشف البلاء، فهذه أخي القارئ بعض من تلك الوسائل، أعاننا الله وإياكم وجميع المسلمين على إتباعها والالتزام بها.
الإيمان بالله تعالى
صدق الاعتقاد وإخلاص الدين لله تعالى وتوحيده عز وجل أوسع باب لكشف البلاء؛ وأقوم سبيل لرفع العذاب في الدنيا والآخرة، والمثال على ذلك جلي من خلال قصة قوم يونس عليه الصلاة والسلام، لما آمنوا كشف الله تعالى عنهم العذاب، يقول الله تعالى: “فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ” يونس:98.
اتباع الرسل
بعث الله تعالى الرسل مبشرين ومنذرين، وجعلهم وسيلة لهداية الناس وإرشادهم سبل النجاة من الفتن والابتلاءات، وما أعرض عنهم قوم إلا وخسروا دنياهم وآخرتهم، وفي قصة نوح عليه الصلاة والسلام مع ابنه الذي كان من المغرقين، بسبب رفضه اتباعه وركوبه معه في الفلك، عبرة وعظة، يقول الله عز وجل: “وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ” هود: 42-43. وكذلك في قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع قوم فرعون لما وقع عليهم الرجز فعهدوا إليه بأن يؤمنوا له ويطيعوه إذا ما دعا ربه ليكشف عنهم البلاء، وفعلا كشف الله تعالى عنهم الرجز لكنهم سرعان ما نقضوا عهدهم، يقول تعالى ذكره: “وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ” الأعراف: 134-135.
الدعاء
الدعاء والإلحاح فيه صلة العبد بربه التي لا تنقطع، ورجاؤه الذي لا يخيب وأمله الذي تنكشف به البلوى، فكلما ضاقت الدنيا على العبد بما رحبت، وفاضت عيناه هما وحزنا ورفع يداه لله تضرعا وخشية، إلا واستجاب له ربه وفرج عنه كربه ودفع عنه بلاءه، وهو القريب المجيب، يقول الله تعالى: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ” الأنبياء:83-84.
الصبر
تحمل البلاء والصبر عليه واجتناب الجزع والتسخط، سبب في نزول الفرج من الله تعالى، وكلما تعسرت الأمور إلا وأعقبها اليسر بإذن الله تعالى، فالبلاء كثيرا ما يكون تمحيصا للقلوب المؤمنة ليعلم صدق إيمانها، يقول الله تعالى: “وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ” الأعراف:137.
ويقول جل ذكره: “وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ” ص:44. وفي السنة توجيه نبوي للمؤمنين لما اشتد بهم التنكيل والاضطهاد، فاستنجدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله يعجل لهم بالنصر، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أرشدهم إلى التحلي بالصبر حتى يجعل الله لهم مخرجا وفرجا.
فعن قيس بن أبي حازم عن خباب قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا، فجلس محمرا وجهه فقال: “قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين، ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله تعالى والذئب على غنمه؛ ولكنكم تعجلون” سنن أبي داود، كتاب الجهاد، رقم:2649.
التوبة والرجوع إلى الحق
اعتراف العبد بذنبه وندمه عليه والإقلاع عنه والعزم على عدم العودة إلى ارتكابه، دليل على توبته الصادقة، ورجوع العبد إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وهذا باب عظيم من أبواب كشف البلاء، ونداء التوبة الذي صدح به يونس وهو في بطن الحوت أظهر برهان على ذلك، يقول الله عز وجل: “وذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِبا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” الأنبياء:87.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا وأنزل الله تعالى بهم شتى أنواع الابتلاءات والمحن وأخذهم بالضيق والعسر، فلابد من توفر طائفة في كل أمة وقوم وظيفتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وإن قل عددها؛ فمتى انعدمت هذه الطائفة حل البوار والعذاب على تلك الأمة، يقول الله تعالى: “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَو مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ” الأعراف: 163-166.
التسبيح
ذكر الله تعالى والثناء عليه بالتسبيح والحمد من وسائل كشف البلايا ورد المصائب، فهذا نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام يبين لنا عظم فضل التسبيح الذي كان سببا في إخراج الله تعالى له من ظلمات بطن الحوت وكأنه بعث إلى الحياة من جديد، يقول الله تبارك وتعالى: “فالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُو مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُو سَقِيمٌ” الصافات:142-145.
نسألك اللهم أن تكشف عنا البلاء وأن تحفظنا من الفتن ما ظهر منها وبطن، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين.