اجعلي بيتك منبع سعادتك جلال اعويطا

يردد أصحاب الفكر العلماني أن الحديث عن قرار المرأة في بيتها إنما يعبر عن فكر ذكوري؛ يعمل أصحابه من خلاله على التسلط على المرأة، وإرجاعها إلى ما يسمونه بعصر الظلام والاستبداد، لأن هذا الفكر يحط من قدر المرأة ويمنعها من حقوقها ويُعطل دورها ويعرقل مسيرتها في دروب الحياة.
ولا شك أن هذا رأي خاطئ وظن فاسد وفكر كاسد منحط، إذ الكلام عن قرار المرأة في البيت ليس مجرد آراء شخصية أو نظريات بشرية، إن الكلام عن قرار المرأة في البيت إنما هو كلام عن حكم شرعي نزلت فيه آيات؛ ووردت بشأنه أحاديث؛ وأُلفت فيه كتب؛ وأصدرت فيه بحوث، ولا ينبغي لمن تعلم القليل أو تشبع بأفكار الثقافات الأخرى أن يحرك شفتيه ويتكلم في هذا الموضوع الكبير، فالكلام فيه بغير علم رشيد هو كذب وافتراء عن الله وتهجم على ما جاءت به الشريعة الغراء.
إضافة إلى أن كلامهم يتضمن العديد من الأراجيف والمغالطات؛ إذ الإسلام لا يمنع المرأة من العمل ولا من التجارة أيضا؛ لكنه يحدد مجالات عملها ولا يجعلها خصما للرجل؛ فلها أن تعمل بما يوافق طبيعتها؛ وما يحتاجه المجتمع من تخصصات ومجالات نسوية، مع تحليها بالفضيلة والحشمة والوقار.
أما علاقة المرأة بالبيت فهي علاقة رسم معالمها القرآن الكريم في آيات عديدة؛ وتأمل كيف أضاف الله سبحانه البيوت إلى المرأة وجعل بينهما هذا الارتباط الوثيق، فقال سبحانه: وقال سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ} الأحزاب:33، وقال سبحانه: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} الأحزاب:43، وقال سبحانه: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} الطلاق:1، {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} يوسف: 32.
قال تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْـجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} الأحزاب:33، وقد قرئ قوله تعالى: (وقَرن) بفتح القاف؛ قرأ بذلك عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين، وهي بمعنى: اقررن، والقرار: الاستقرار والإقامة الدائمة من غير تحوُّل أو انتقال.
كما قرأ عامة قراء الكوفة والبصرة بكسر القاف (وقِرن) وهي بمعنى: كنَّ أهل سكينة ووقار.
والآية الواحدة إذا ورد فيها أكثر من قراءة كانت كل قراءة فيها في إفادة المعاني والأحكام بمنزلة الآية المستقلة، ولو جاء التعبير بلفظ (الْزَمْنَ) أو (احتبسْنَ) أو (ابقيْنَ) لأدَّت تلك الألفاظ معنى البقاء في البيت لكنها لن تؤدي معنى الراحة والسكينة والطمأنينة والوقار، وهكذا البيت بالنسبة للمرأة في ميزان الشرع.
قال أحد السلف: سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارا، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة، ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراحا لصدرها، فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما لا تحمد عقباه.
لما نسمع أو نقرأ هذه الآيات المباركات فإننا إذاك أمام خطاب رباني مباشر {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْـجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}.. فبالله عليكم ماذا سيتبقى من الانحرافات الفكرية المعاصرة أمام كلام رب البرية؟!
ماذا سيبقى من كلام البشر ومن تحليلاتنا الدونية؟
أم ماذا سيبقى من بنود الاتفاقيات الدولية؟!
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} إنه خطاب لك أيتها الفاضلة، إنه خطاب لتلك النفوس القوية الباحثة عن الحق، تأمليها أختي الفاضلة مرة أخرى.. ملك الملوك من فوق عرشه يخاطبك وهو أعلم بمصلحتك؛ وبما يناسب طبيعتك؛ وبما يصون جمالك ويحفظ عرضك ويضمن سلامتك في الدنيا والآخرة {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْـجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}.
ردديها أيتها العفيفة برفق، وتدبريها بعناية وحاولي أن تفهميها كما فهمتها سيدات نساء العالمين!
إننا لسنا أمام خطاب فكري بشري نستطيع التخلص منه عبر مخرج الاختلاف في وجهة النظر، أو أمام نظرية إنسانية نستطيع تكيفها حسب رغباتنا، ما أنزلت هذه الآيات إلا للتدبر والعمل {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ}.
إن قراءة واحدة لهذه الآية بتدبر وعناية من قلب صادق ستصنع في القلب ما لا تصنعه الرؤى الفكرية والآراء البشرية..
قراءة واحدة بصدق وتدبر ستجعل كل الشعارات العلمانية والمذاهب الهدامة تتهاوى أمام ناظريك..
قراءة بقلب حاضر ستطرد كل ذرات الهوى من قلبك..
قراءة واحدة ستحيي في القلب كل ما تم إماتته خلال سنوات الاحتلال والعلمنة!
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْـجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}.
إننا أمام مشروع إصلاحي سيخرجنا من دوامة الانحراف والانفلات إلى فناء البناء والتشييد، فإن نجحنا في ربط كل عنصر من عناصر المجتمع بمهامه التي أنيطت به شرعا؛ فإننا قد وضعنا الرجل الأولى في طريق المجد وصناعة الأمة من جديد.
إن نجحت المرأة في ترتيب جدول أولوياتها؛ فاعتنت ببيتها؛ وأتقنت تربية أبنائها؛ وسعت بصدق لمساعدة زوجها؛ فإنها ستصنع لنا ما عجزت أكاديميات التغيير ومراكز التربية عن صنعه، ستصنع لنا جيلا قادرا على إعادة بناء هذه الأمة من جديد.
واسمعي أيتها الفاضلة إلى نداء الرحمن وهو يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
يقول السعدي رحمه الله في هذه الآية: “وإياكم أن تردوا أمر الله أول ما يأتيكم فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه، فيقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى يشاء”.
لا توجد حلول وسط أمام أوامر ملك الملوك سبحانه وتعالى.. إما الطاعة والانصياع أو العصيان والضياع!
تأملي أيتها الفاضلة في سير العظيمات وتفاصيل حياة الناجحات ستجدينهن أقل النساء خروجا أكثر النساء قراراً في البيوت! لا يخرجن إلا لضرورة كتعلم أو تعليم وتطبيب وإدارة شؤونهن المستقلة وزيارة الأهل والأحباب بضوابط شرعية نص عليها الشارع الحكيم، ستجدينهن يقضين بقية أوقاتهن في البناء والتربية؛ كأم مربية وزوجة حانية وأخت ناصحة مدافعة عن هويتها معتزة بثقافتها؛ ساعية في رضا ربها؛ ثابتة شامخة أمام كل غزو فكري لثقافتها وهويتها!
ولعل كل منصف سيشهد على أن خروج المرأة من ثغرها إبان فترة الاحتلال واكبه السفور والتبرج والاختلاط وانتكاس الفطر وتآكل منظومة القيم.
ولو تأملنا قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْـجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) لثبت لنا أن مخالفة المرأة لأمر ربها في عدم قرارها في بيتها أدى بها إلى الوقوع في أتون التبرج والسفور، التي تعد أهم عوامل الفساد الأخلاقي وأخطر أساليب الغزو الخارجي للأمة.
إن مزاحمة المرأة للرجل في كل الميادين وعدم اقتصار كل منهما على ما يوافق خلقته وما فطره الله عليه ومتطلبات المجتمع؛ أحدث خللا كبيرا وظلما عظيما؛ وقع بالأساس على المرأة التي يستغلها الرجل أبشع استغلال في زمن يرفع فيه ظلما وزورا شعار حقوق المرأة عاليا.
لقد خرجت المرأة اليوم لتزاحم شقيقها الرجل في كل الميادين؛ ومازالت الحياة العامة تُدار بالرجال بينما لا يزال النصيب الأكبر من المآسي يقع على المرأة ولعل الإحصائيات أكبر شاهد على ما أقول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *