ما المصير إذا فقدت الثقة في ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث بحجة أنه يخطئ مثل سائر البشر وإذا ما تعاملنا مع رواة أحاديثه من الصحابة الكرام على أساس أن كل واحد منهم لا يحدث إلا بما يخدم مصالحه ويوافق هواه؟
إنه المصير الذي ضل العلمانيون ولا يزالون يمكرون بالليل والنهار لإيقاع الأمة فيه.
“مصادر الفكر التكفيري: حديث الرسول أم حديث الرواة؟”: عنوان مقال لم تتورع جريدة اشتهرت بعدائها لدين الإسلام عن نشره – في عددها رقم 3213-
افتتحت الكاتبة سلوى الشرقي مقالها بقولها:
“لا يمكن الاعتداد بكل حديث لأن عصمة الرسول جزئية، فالرسول يعتبر معصوما في جانب تبليغ القرآن فقط.. أما ما عدا ذلك فهو يخطئ كغيره من البشر..”.
لا جرم أن مقصودها من هذا الكلام إبطال السنة بحجة أنها قابلة للخطأ، والذي ندين الله به أن السنة وحي مثل القرآن كما قال تعالى:” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” وكما قال جل شأنه:”وأنزل الله إليك الكتاب و الحكمة”.
وهذه الكاتبة المسكينة في تناقض تام، فهي تقر أن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم في جانب تبليغ القرآن وأنه في غير ذلك- أي في أحاديثه- يخطئ.
أليس من القرآن قوله تعالى: “والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى”، فبنص هذه الآية كل ما يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هو من شرع الله وحي أوحاه الله إليه ، فكيف يكون معصوما في تبليغ هذه الآية التي تأكد أنه لا ينطق إلا بوحي ثم يكون مخطأ في أحاديثه؟ “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”، وصح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: “ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه” .
أليس القول بأن السنة فاقدة لطابع العصمة إبطال للشريعة من أسها وللدين بأكمله وضرب له في مقتل؟
فمن المبين لما أجمل في القرآن؟ أليست السنة؟
فلولا السنة ما علمنا كيفية الصلاة وعدد الركعات وكيفية الصيام والحج ومقادير الزكاة.. بل إن من بيان السنة للقرآن الزيادة على حكمه، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، وكتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع إلى أشياء يطول ذكرها.
لكنه مكر العلمانيين، فهم يعلمون أن هذا الدين قائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأما القرآن فيتعاملون معه تارة بالإعراض وتارة باعتباره نصا تاريخيا تجب إعادة قراءته، وتارة..، وأما السنة فإنهم يحاولون -كما هو حال الكاتبة- تشكيك المسلمين فيها.
وحتى يتأتى لها ما تروم إليه من التشكيك في السنة انتقلت الكاتبة إلى الطعن في رواتها وحفظتها، منتقصة من الصحابي الجليل أبي بكرة: “..وهناك نماذج عديدة من هؤلاء الرواة المجروحين الذين لا تنطبق عليهم صفة الراوي الثقة مثل أبي بكرة الراوي لحديث لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة… ورد في صحيح البخاري كالآتي…”لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
“وإنها فعلا صدفة نافعة و مفيدة لهذا الراوي…فراوي الحديث لم يتذكر كلام الرسول إلا في واقعة الجمل أي بعد 25 سنة من وفاة الرسول.. وإذا ما عرفنا أن أبا بكرة هذا كان من أنصار علي وأنه فاقد لأحد الشروط الأساسية لمصداقية الشهادة …تصبح قوة هذه الراوية في الميزان…ورغم ذلك فإن أغلب الفقهاء يعتمدون اليوم هذا الحديث اليتيم الضعيف المجروح المصدر والمناقض للقرآن..”.
لقد علم القوم أن النيل من الصحابة ونزع تعظيمهم من القلوب من الورقات الرابحة في خطتهم الإستغرابية ومنهجهم اللاديني الذي يطمحون إليه.
فأبو بكرة رضي الله عنه الذي تزعم الكاتبة أنه راو مجروح.. هو من جملة الصحابة الكرام الذين عدلهم الله سبحانه وزكاهم من فوق سبع سماوات، وعدلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة هم بإجماع الأمة: عدول.
– وأما ادعاؤها أنه كان منحازا إلى علي ضد عائشة رضي الله عنهما أيام وقعة الجمل، فكلام باطل، لأن أبا بكرة رضي الله عنه، كما ذكر الحافظ في الفتح، كان لا يرى القتال بين المسلمين أصلا وكان يرى الكف وفاقا لغيره من الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة، ولهذا لم يشهد صفين..
وفي الختام لا يسعني إلا أن أطرح سؤالا عسى أن أجد له جوابا:
ما موقف وزارة الأوقاف والمجالس العلمية الساهرة على تسكين ضمير المومنين من مثل هذه النوع من المقالات المشككة في مصادر المسلمين والطاعنة في صحابة خير المرسلين؟