عندما يصبح الانفتاح واحترام الحق في الاختلاف مرادفا لانتهاك الثوابت الدينية والوطنية قضية ملك اللواطيين ومهرجان موازين إبراهيم الطالب

لا ندري متى يتوقف هذا التيه، وهل سيتمكن الإنسان المغربي من إيجاد مخرج منه ليستعيد طمأنينته وسكينته اللتين فقدهما منذ أن فقدت الشريعة سلطتها على المجتمع. 

وما يزيد من شدة التيه وخطورته أن ترى أغلب من يُفترض فيهم أن يكونوا حراس العقيدة وحماة الهوية، قد آثروا أن يكونوا على هامش المعترك، فاسحين المجال لكل مستغرب عليم اللسان، لا يحسن دينا ولا سياسة، إذا تكلم أفسد، وإذا عمل لا يعي عواقب الأمور.
من مظاهر هذا التيه أن يستدعى ملك اللواطيين البريطاني “إلتون جون” ليملأ جيوبه من المال العام مقابل لحظات غنائية يصنع خلالها المتعة لشباب مغاربة، هم أحوج إلى مَن يأخذ بأيديهم ليرفع أكثرهم الجهل والأمية الدينية عن نفسه حتى يخرجوا من دوامة الضياع.
ثم إذا ما استنكر الناس دعوة منظمي مهرجان موازين لأكبر دعاة اللواط وطالبوا بمنع حفله، قام المدير الفني للمهرجان ليعلن أنهم متشبثون به، معللا موقف المنظمين قائلا: “جمهوره الكبير وقيمته الفنية وتاريخه الفني الذي يمتد لأكثر من ربع قرن هو ما دفعنا إلى استدعائه للحضور والغناء في مهرجان موازين، فبناء على ذلك تم اختياره وتوجيه الدعوة له وليس بناء على حياته الشخصية، مهرجان موازين له قيمه التي يتأسس عليها مثل الانفتاح والتسامح واحترام الحق في الاختلاف أو شرعية الاختلاف لدى الآخر، وإذا ما قمنا بإلغاء حفل إلتون جون فنكون قد خرجنا عن هذه القيم وما تدعو إليه، وعليه فإنني أؤكد أن إلتون جون سوف يكون حاضرا في دورة 2010 ونحن متشبثون بحضوره، ولا نريد أن نسقط في مطب أن يتحول المهرجان إلى منبر للبوليميك أو الجدل، فهو مهرجان للموسيقى وللاحتفالية ولا يجب أن نخرج عن هذا الخط أو نحيد عن هذا الطريق”.
هكذا إذًا، وبكل سهولة نرحب بأحد اللواطيين على أرض المملكة الشريفة رغم أن مصر اتخذت في حقه قرارا بالمنع من الغناء على أراضيها لوصفه نبي الله عيسى “باللواطي” وحاشاه عليه السلام بل كان “وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ” عند الله تعالى.
إن قضية هذا اللواطي ليست إلا مثالا من أمثلة تمظهر ثقافة الطغيان العلماني، التي لا تقيم للدين ولا لهوية المغاربة وزنا، فكيف نسوِّغ القبول بأحد رموز اللواط في العالم ليَمْثل بين أبنائنا، ونحن نعلم جميعا كما يعلم المدير الفني للمهرجان وباقي العلمانيين أن سلوكه الجنسي الشاذ وكل ما يتعلق بمظهره الخارجي لا يمكن فصلهما عن شهرته وتجربته وغنائه، كما أن الإعجاب يورث الحب والحب يورث الاقتداء.
فعند كل انتقاد للأفلام التي تتضمن مشاهد جنسية إباحية يطالبنا العلمانيون بالفصل بين الأخلاق والفن، وأن نحكم على المنتجات الفنية بمعيار الجودة لا بمعيار الأخلاق، وكأننا في بلد علماني مثل فرنسا أو سويسرا، حيث هذا الفصل يعتبر لديهم من تطبيقات العلمانية التي تفتقر إلى منظومة للقيم والأخلاق، بل تعتبر أن هذه الأخيرة عوائق وقيود على ممارسة الحرية الشخصية.
المغرب بلد مسلم، لكن الحياة العامة والخاصة للكثير من مواطنيه بعيدة عن تعاليم الإسلام نظرا للتطبيقات العلمانية التي أخذت طريقها إلى التمكين بفعل الاستمرار في العمل بمخلفات الاحتلال من جهة سواء على مستوى التشريع أو الإدارة أو الاقتصاد، ومن جهة أخرى بالتقصير في تطبق القانون الزاجر للكثير من السلوكيات المخالفة للشريعة الإسلامية.
فالخمر مثلا محرم تناولها شرعا لكنها تباع وتشترى على أعين الناس، وكذلك الربا والقمار والزنا، وكل تقصير في تطبيق القانون يفسح المجال لهذه السلوكيات حتى تصير شيئا متعارفا بين الناس، فيقل الإنكار بعد أن انعدم الزجر، ليأتي العلمانيون في النهاية ويطالبوا بإلغاء العقوبات التي أصبحت متجاوزة من الناحية العملية والاجتماعية، ومن ثَم تهيمن العلمانية ويغير ما تبقى من الدين في تشريعات البلاد.
هذا ما وقع مع الربا والقمار، أما الخمر فتنتظر أن تتتهيأ الظروف لها لتباح قانونيا، وأما الزنا فقد قطعت شوطا كبيرا نحو التقنين والتنظيم حيث نراها من الناحية العملية تمارس بكل حرية، ويشهد لذلك آلاف حالات الإجهاض، وآلاف الأطفال المزدادين خارج إطار الزواج في السنة، بل وصل الأمر إلى أن يفتخر بممارستها على الجرائد والمجلات بله المواقع والمدونات الالكترونية.
فالشباب اليوم يحس بالأمان من الزجر القانوني وهو يمارس الزنا، حيث يرى بعينيه تواطؤ الجميع عليها، ويرى كيف يغفل المسؤولون معالجتها قانونيا واجتماعيا ودينيا بينما يفسح المجال للعلمانيين أمثال عبد الصمد الديالمي وكتاب المجلات والجرائد العلمانية للتنظير لرفع القيود عن ممارستها، وبالتوازي يرخص للجمعيات العلمانية في حل المشاكل المرتبطة بشيوعها كالحمل وحضانة أطفال الزنا وحماية الزانيات، هذه الجمعيات التي لا تقتصر على رعاية الأطفال ضحايا الزنا أو مساعدة الفتيات المغتصبات أو حتى اللائي وقعن في الفاحشة عن طواعية، بل تعمل بكل الوسائل من أجل محاربة كل نظرة دونية استنكارية من طرف المجتمع.
وإمعانا في الإخلاص للمفاهيم العلمانية استورد معتنقوها بكل جاهزية اصطلاحات نشأت في البلدان العلمانية الغربية مثل الأمهات العازبات=الزانيات، والأطفال الطبيعيين=أبناء الزنا والحمل غير المرغوب فيه=الحمل من سفاح، وغيرها من المصطلحات والتعريفات التي يروم العلمانيون من ورائها إقصاء الألفاظ الشرعية الإسلامية لدلالتها على منظومة الحدود والأحكام المستمدة من شريعة الإسلام وذلك للحد من النفور والشجب والاستنكار الذي يقابل به المجتمع المسلم مثل هذه السلوكيات ومَن تلبس بها.
فالعلمانيون من خلال تبنيهم للمصطلحات الغربية يبتغون ترسيم قناعاتهم وأفكارهم في المجال الاجتماعي والثقافي والقانوني والجمعوي، فالأمهات العازبات اصطلاح غربي علماني يروم مسح الحدود بين الزانيات والمغتصبات لمحاربة أي تجريم من قبل المجتمع للزنا. وما يصدق على مصطلح الأمهات العازبات يصدق على كل المصطلحات ذات الحمولة العلمانية المستجيبة لمفاهيم وتطبيقات الحرية الفردية بالمفهوم الغربي.
أما بخصوص اللواط فالدعوة له جهارا بدأت لكنها على احتشام، وهو يأتي دائما -حسب ترتيب مراحل عملية استنبات العلمانية في المجتمع- بعد أن يتم تقنين الزنا وتنظيمه واعتباره حرية شخصية من الناحية القانونية والاجتماعية، وفي هذا الإطار تندرج دعوة أمثال اللواطي “إلتون جون”، حيث تجعل مثلُ هذه المهرجانات رؤية اللواطيين خصوصا إذا كانوا رموزا أمرا عاديا قابلا للتعايش معه، بينما يقوم العلمانيون في جرائدهم ومجلاتهم ومواقعهم وأحزابهم وجمعياتهم الحقوقية بالتنظير لأساسه الفكري والحقوقي، وإشاعة أن القبول باللواطيين يندرج في إطار الانفتاح والتسامح واحترام الحق في الاختلاف أو شرعية الاختلاف لدى الآخر على حد تعبير عزيز داكي المدير الفني لمهرجان موازين، إنه توزيع للأدوار فقط.
من هنا يتبين لنا أن قيم الانفتاح واحترام الحق في الاختلاف بمفهومها العلماني هي مرادف لانتهاك الثوابت الدينية والوطنية، لأنها باختصار تستند إلى مرجعية غربية تأسست على نبذ الدين وقيمه وأخلاقه، اعتبرها فلاسفة العلمانية وأساطينها الغربيين بإجماع نسبية غير مطلقة ولا مقدسة.
إننا بتبنينا للمفاهيم الغربية من أجل أن نحظى برضا الغرب العلماني للحصول على استثماراته وشراكته، نعمل على تدمير الماضي بكل تاريخه المجيد، ونبني المستقبل على جرف هار سرعان ما سينهار بنا في وادي العلمانية السحيق، فأي قيمة تبقى للدين والثوابت وأي مكانة للعقل المستنير بنور القرآن والسنة إذا فقدنا معايير الحكم واستوى عندنا الزواج والإحصان بالزنا والسفاح واللواط، وتماثلت في نظرنا المؤمنات المحصنات مع متخذات الأخدان، فأصبح الواحد منا يعيش مع أمه وأبيه وعشيق أمه وعشيقة أبيه في البيت الواحد، ولا يجد في نفسه حرجا من ذلك لأنه تربى على قيم الانفتاح والتسامح واحترام الحق في الاختلاف أو شرعية الاختلاف لدى الآخر، وكل ذلك واقع مألوف في بلاد الغرب العلماني الذي صاغ قيمه هذه في إعلانات للحقوق سماها حقوق الإنسان.
وعندما نغض الطرف عن الغزو العلماني لمنظومة قيمنا وتهديده لثوابتنا الدينية والوطنية نكون كمن يُسلم مقاليد أموره لمن لم يرقب فيه إلاًّ ولا ذمة في الماضي، وهو اليوم أحرص منه البارحة على استغلاله ونهب خيراته. بالإضافة إلى فقداننا نصرة الله سبحانه وولايته لنا لقوله تعالى لنبيه الكريم:{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}البقرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *