ضع حذاءك أمامك فؤاد الدكداكي

دخلت مسجدا لأصلي العصر، فوضعت حذائي في الرف المخصص للأحذية خلف الصفوف، فلما انتهيت من الصلاة وجدت مكانه فارغا فبدأت أحدق في الرفوف المجاورة فلم أجده، وأنا في غمرة البحث عن حذائي وإذا برجلين آخرين يبحثان عن حذائيهما، فتيقنت حينها أن الحذاء قد تملكه غيري، وهذه هي المرة الثانية التي يسرق فيها حذائي من المسجد، وخرجت من المسجد وحملني بعض المحبين في سيارته إلى بيتي حافي القدمين، وصار الموضوع تسلية بيننا بيد أنه تواردت علي عدة أسئلة، فحواها:

أي أخلاق منحطة هذه التي تحمل صاحبها على سرقة الأحذية من المساجد؟
إنه أمر مؤلم يا إخواني وإن كان ظاهره يضحك، أليست المساجد بيوت أمان؟
أين هي حرمة المساجد لدى عموم المواطنين؟
أليس المصلي واقفا بين يدي الله؟
أليست الصلاة مع الجماعة مدعاة للخشوع؟
لكن قل لي بربك كيف حال ذلك الرجل وهو يصلي وقلبه منشغل بحذائه، وإذا ما نظر في السارية أمامه وجد بخط عريض (ضع حذاءك أمامك) إنها مأساة حقيقية!
هذا التصرف اللأخلاقي دفع المسلمين لارتكاب مخالفتين:
الأولى: وضع الأحذية في قبلة المصلين يسجدون إليها، ومعلوم أن الأحذية مهانة، ينبغي أن تجنب قبلة المصلين وذلك بوضعها في جانب أو في الرفوف الموجودة على جدران المساجد، هذا إن سلمت من الرائحة الكريهة وإلا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم1.
قال العلامة الألباني: “وإذا نزعهما فلا يضعهما عن يمينه وإنما عن يساره، إذا لم يكن عن يساره أحد يصلي، وإلا وضعهما بين رجليه بذلك صح الأمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.. ثم قال: وفيه إيماء لطيف إلى أنه لا يضعهما أمامه، وهذا أدب أخل به جماهير المصلين فتراهم يصلون إلى نعالهم”!!2.
الثانية: تفرغ بعض الناس لمراقبة أحذية المصلين وكأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة، قال العلامة جمال الدين القاسمي: “يوجد في بعض المساجد من يأخذ نعال الداخلين إليها ويحفظها لهم في موضع يغصبه منها بفلوس تدفع له بعد قضائهم الصلاة وانتشارهم، فهؤلاء المحافظون ينهون عن ذلك لأنهم يضيقون على المسلمين طريقهم ويمسكون من المسجد موضعا لم يوضع له، وفيه إعانة لهم على ترك الصلاة وكذلك المحافظون للنعال على أبواب المساجد فإنهم لا يحضرون جمعة ولا جماعة”3.
وهكذا أصبح الداخل للمسجد -في بعض المناطق-عليه أن يحضر (الصرف) قبل أن يدخل المسجد وكأن المساجد أصبحت محلات للإتاوات، حارس الأحذية بالأجرة، وحارس السيارات خارج المسجد بالأجرة، وثالثة الأثافي تجار التسول الذين يصطفون على أبواب المساجد لمضايقة المصلين بإلحاحهم في الدعاء، أما أنت أيها المصلي فويل لك إن أعطيت واحدا دون الآخر.
والمقصود أن ظاهرة سرقة الأحذية من المساجد ظاهرة مشينة تسيء لسمعة المسلمين لكن معالجتها لا تكون بارتكاب المخالفات -ومنها ما ذكرنا-.
نسأل الله تعالى أن يتوب على سراق الأحذية من المساجد.. والله الموفق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

1- في صحيح مسلم رقم:564 (فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس).
2- تلخيص صفة الصلاة ص:12.
3- إصلاح المساجد من البدع والعوائد ص:158.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *