في الحلقة السابقة أشرنا لكتاب الكولونيل سانت شابيل المعنون بـ(غزو المغرب)، وقلنا بأنه اعتمد مثل غيره على تقرير منجان المرفوع للقيادة العليا والمتعلق باحتلال مراكش وأحوازها، إضافة لمشاهداته بصفته قائدا ميدانيا، ونقدم في هذه الحلقة ما سجله الكولونيل سانت شابيل حول عمليات كولون منجان في حوز مراكش، وكذلك العمليات العسكرية شمال فاس بقيادة كورو.
فيما يتعلق بحوز مراكش كتب سانت شابيل:
“لم يهدأ الكولونيل منجان في شهري أكتوبر ونونبر على نشر الكولون في الحوز.
فبعد أن تلقى استسلام القبائل المترددة بين مراكش ومزاكان وموكادور، عاد الكلونيل مانجان نحو مسفيوا مصحوبا بثلاثة أفواج، وفصيلة وبطارية جبال، حيث القايد لكلاوي حاول إخضاعها.
الكولون علم بتكون تجمع مناوئ في سفوح أولى الجبال، فزحف نحوها حيث أصلاها بوابل من قنابل المدافع شتتها، ثم اخترق عدة مداشر بعد معركة دامت ثلاث ساعات، فقد خلالها ثلاثة جرحى، وفي الغد قسم الكولون لثلاث مجموعات جابت المنطقة لتمشيطها من غير أن تلاقي أية مقاومة.
يوم 25 نونبر تعرض الكولونيل منجان لهجوم قرب دمنات وهو راجع من مزاكان لمراكش من قبل حركة العصاة المتمردين، فسحقوا بنيران مدفعيتنا على بعد 1700م، ولوحق التائهون منهم من قبل السنيغاليين.
مفرزتي الكولونيلين صافي وجوزيف انتشرتا على الطريق التي سيمر منها مولاي يوسف لمراكش، أما الكولونيل بيلتيي فجاب قبائل دكالة وعبدة لاستقبال الطائعين من سكانها.
السلطان مولاي يوسف غادر الرباط يوم 30 دجنبر 1912 مخفورا من قبل أكثر من ألفين من الخيالة، وقد تقبل التحية من طرف القياد لكلاوي، والكندافي، ولمتوكي، وعيسى بن عمر، وقياد الصراغنة وأولاد بوشتة، والرحامنة، وأوريكا.
مستوى ولاء القبائل كان عاليا على طول طريق السلطان وقد هتفوا أثناء استقبالهم له بإعلان رفضهم وضع سلطة الحكم الدنيوية في يد الرومي، باستثناء الخوف من التحكم الفرنسي موقفهم من السلطان كان إيجابيا، وقابلين التعاون معه، وأن السكان الذين التقوه مستعدون لإصلاح سلوكهم وتعديله وفقا لمنظور الدين، الذي يجعل حماية السلطة الدينية محبوبة ومطاعة.
وقد استقباله في مراكش بحفاوة بالغة من قبل السكان في هدوء واطمئنان.
يوم 20 يناير 1913 بويع مولاي يوسف بتزنيت سلطانا من قبائل كلاوة بفضل سياسة الكولونيل منجان وجهود الحاج التهامي لكلاوي” (“غزو المغرب”، ص:174).
أما عن شمال فاس فقد كتب تحت عنوان “كولون كورو”:
“تركنا هذا الكولون معسكرا في بورايس يوم 8 يوليوز، وقد التحقت به مفرزة قوية جاءت من مركز بيتيجة يوم 10 منه، حيث جاب الكولون قبائل اشراكة وأولاد عيسى واحجاوى الذين طلبوا الأمان لضمان استسلامهم.
الجنرال كورو عاد لفاس يوم 12 تاركا قواته معسكرة على واد مكس على بعد 30 كلم شمال غرب العاصمة بقيادة الكولونيل “بين” الذي جمع الكولون بعد ثمانية أيام من مغادرة الجنرال.
خصمنا الجديد الروكي مولاي حسن فرّ في اتجاه الشمال بعد هزيمته في معركة دارت بيننا وبينه في 6 و7 يوليوز 1912، قاطعا بلاد لحياينة للمنطقة الإسبانية حيث يوجد مندوبين له بالريف يجندون مناهضين جددا لسلطتنا.
بدء من 31 يوليوز بدأ ظهور عصاة في سوق سبت كاصبة، وتجمع عصاة قرب سوق الإثنين 48 كلم عن فاس، حيث أقاموا معسكرهم يوم 2 غشت.
القبائل التي سبق لها أن طلبت الأمن غزاها الروكي.
يوم 4 غشت الجنرال كورو تحرك للشمال مع 19 سرية، و3 كوكبة، و4 كتائب مدفعية جبال، و3 رشاشات، حيث بلغ سوق الإثنين يوم 6 غشت حيث أقام معسكره.
يوم 8 وصل مولاي بوشتة دون أن يتعرض في طريقه لمقاومة جادة باستثناء بعض الطلقات النارية المتفرقة أسفرت عن مقتل جندي اشريفيان وأسر بعض النهاب.
الجنرال كورو ذكر بأنه خرج من فاس وهو يترقب تنازل مولاي عبد الحفيظ لذلك عين على الكولون خلفا له الكلونيل بين، والروكي اختفى.
يوم 12 غشت وصلت قافلة تموين للكولون بمولاي بوشتة، وطلبت عدة قبائل الحماية من قبل الكولونيل بين، ويوم 13 منه تم مباغتة وملاحقة أعداء على وادي ورغة وسفح جبل اسلاس، حيث أطلقت عليهم في مواقعهم نيران المدفعية ولاحقتهم الخيول لما فروا للمنطقة الإسبانية تاركين عدة قتلى، وجُرح لنا مدفعي.
وفي الغد أي 14 غشت غادر الكولون مولاي بوشتة متوجها نحو لعيون، على بعد أربعة كلومترات من المعسكر هوجم في واجهته بتلك الوهاد من قبل جموع كبيرة من الأعداء تقدر بـ4000 مقاتل راجلين وركبانا، فتراجعت طليعة قواتنا لاحتلال بعض المرتفعات فضيق عليها الخصوم الخناق بعددهم وصمودهم، واقتربوا من أفرادها مسافة 50م فتم إبعادهم بتدخل من خمس سرايا من مشاة استعمار وسنغال في معركة عنيفة شاركت فيها المدفعية والرشاشات التي نصبت على المرتفعات المواجهة لتمركز الأعداء، وقد بدأت المعركة في الرابعة صباحا وانتهت في الساعة الثانية بعد الظهر بهزيمة المغاربة وقد خسرنا فيها 9 قتلى و 48 جريحا.
الكولون عسكر في لعيون، يوم 17 غشت تعرض المعسكر لهجوم جديد لكن تمكننا من رد المهاجمين على أعقابهم، وقد سقط لنا قتيل وجرح اثنان، ولوحظ أن الأعداء كانوا أقل شراسة مما كانوا عليه في 14 يوم هزيمة المغاربة.
أغلب القبائل التي تهاجمنا تأتي من المنطقة الإسبانية وترجع لها لتعيد تنظيم صفوفها بحرية والتزود بالسلاح والذخيرة ثم تفر لها من دون أن نقوى على ملاحقتها لحماية جنودنا بعد تجاوزها للضفة اليمنى لورغة، حيث الإسبان لا يملكون القوة ولا رغبة لهم في نزع أسلحة العصاة.
في معركتي 14 و17، عانت قواتنا لأول مرة منذ تواجدنا بالمغرب من صليات نيران منظمة، مما يعني أن هناك جنودا نظاميين من الفارين من القوات الشريفة يعملون مع الروكي كمدربين لمهاجمينا؛ من المؤكد أن فعالية مهمتنا في نشر التهدئة غير كافية في الوقت الحاضر في المناطق التي نخضعها، لأن قواتنا تقاتل لتشتيت العصاة ولإبعادهم وليس للقضاء عليهم.
السكان الذين نريد تخليصهم يحتاجون للحماية من عودة الحركات المعادية، ومن أجل ضمان ذلك يجب إقامة مراكز عسكرية ثابتة مزودة بمفارز متحركة مكونة من الأسلحة الثلاث للتصدي للقضاء على المتمردين ومعاقبة مصادر انطلاقهم، وفي اليوم الذي نتمكن فيه من ضمان حماية القبائل الهادئة من غارات جيرانهم، سنكون قد حققنا التهدئة، وحتى ذلك الحين ستبقى المواجهة بيننا وبين مختلف الرواكة مستمرة دائما.
هذا ما جعل الكولونيل بين لا يغادر الناحية التي قام فيها بعمليات؛ ففي 25 غشت بزلاقة كاعلا صعد ضفة سبو حيث أخبر بتواجد الروكي مع بقايا حركة يستقطب مقاتلين جدد من لحياينة ويبشر بالحرب المقدسة باحثا على جر بني وراين الشرقية والجنوبية لها.
في جنوب فاس
قامت القوات المتواجدة بثكنة صفرو بخروج يوم 9 يوليوز 1912 في اتجاه مغرا الجرفا لتشتيت تجمع الأعداء الذين تجمعوا هناك، حيث كبدوهم خسائر هامة، أما نحن فقد خسرنا قتيلان وسبعة جرحى.
غادر الكلونيل مازيي فاس يوم 17 يوليوز 1912 مع 15 سرية وكوكبتين وثلاث كتائب جبال، لمهاجمة يوم 19 تجمعا للآيت يوسي وأيت سغروشن وسيدي رحو الذي بوغت بالهجوم يوم 20 على بعد 15 كلم جنوب شرق صفرو في عبد الواحد فتم تشتيتهم تاركين حوالي 200 جثة في الميدان، وخسرنا نحن ثلاثة قتلى بينهم ضابطين: قبطان وليوطنا، وسبعة جرحى.
الكولون عسكر قرب إيموزار حيت التحقت به مفرزة من ثكنة صفرو وسارا معا لداليا، متجولين في تلك النواحي لحماية القبائل الخاضعة في مدة الحصاد لغاية 26 يوليوز.
الجنرال دالبيز خرج من مكناس لنفس الغرض متلقيا طاعة القبائل العاصية من بني امطير، وقد خاض معركة حامية مع حركة كروان قرب الحاجب، كما خرج كلون آخر من مكناس بقيادة الكولونيل ريبو من الفوج الأول لقناصة افريقيا يوم 5 غشت 1912 متوجها للحاجب، ففرق جيشا للعصاة في سهل سايس وعاد لمكناس يوم 20 منه بعد تهدئة ناحية لبهاليل وعين الشكاك.
ما يزال أمن قوافلنا على طريق فاس الرباط عبر مكناس غير آمنة بالمرة، إذ في الثاني من غشت تعرض حراس قافلة أثناء اجتيازهم لواد اخميسات لهجوم خلف قتيلا وجريحين، ويوم 23 منه تم الاستيلاء على قافلة مكونة من 21 جملا من قبل بني امطير.
الجنرال دالبيز نظم كوكبة للكوم من القبائل الخاضعة القريبة من الطريق لتقوم بدور البوليس على طول الطريق.
على تخوم الشاوية الكولونيل بلوندلا الذي قام بجولة بوليسية جنوب معسكر مارشاند، هوجم من قبل عصاة ازعير في معسكره ليلة 1 و2 شتنبر، وفي النهار قام الكولون بهجوم لتشتيت الأعداء استمر لغاية الساعة العاشرة تاركين خلفهم عدة جثث في ميدان المعركة، وقد فقدنا 8 قتلى بينهم قبطان وليوطنا و31 جريح، ثم عسكر الكولون في حجرة بناصر.