إصلاح مناهج ومقررات دار الحديث الحسنية دلالة الظروف، وطبيعة الإصلاح عبد الله الشرقي

لقد أحدث تعين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية لباحث أمريكي من أصل إيراني بدار الحديث الحسنية جدلا بين كثير من المهتمين بالحقل الديني، حيث شكل مادة للعديد من المقالات أعرب فيها أصحابها عن انتقادات تباينت حسب اختلاف وجهات نظر كاتبيها حول مواضيع الانفتاح ومقاربات الإصلاح.
إلا أن الواضح من خلال تتبع مَن كتب في الموضوع أن المجالس العلمية وجمعيات العلماء الذين يعتبرون أهم من كان عليه أن يشارك في النقاش ويعبر عن رأيه ووجهة نظره في الموضوع آثروا الصمت والحياد، مما يعطي انطباعا سيئا حول السرية التي يدار بها الحقل الديني بعد أحداث 16 ماي الأليمة.
هذه السرية التي تستشف من خلال تصرح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في الحوار الذي أجراه مع موقع وزارته حيث قال: “..وقد كنا نعمل في الظل لصيانة هذا الإصلاح من التشويش حتى يشتد عوده، إلى أن أثيرت قضية صديقي الأمريكي”.
فلماذا يحتاج إصلاح المدارس الدينية وإعادة تأهيل الحقل الديني إلى أن يتم في الظل؟
وما طبيعة هذا التشويش الذي يخاف الوزير منه على إصلاحه؟
وهل كان على المغاربة أن ينتظروا إثارة الجدل حول تعيين الأستاذ الأمريكي حتى يتقلص الظل عن إصلاح السيد الوزير! ليعلموا ما يجري في مدرسة سيتخرَّج منها من يعلمهم أمر دينهم؟
إن الظروف التي جاء فيها هذا الإصلاح تطرح أكثر من تساءل خصوصا أمام إلحاح أمريكا وأوربا على ضرورة إصلاح مناهج التعليم في البلدان الإسلامية.
طبيعة ظروف التي جاء فيها إصلاح مناهج دار الحديث الحسنية
فبعيدا عن أي أحكام على النيات وحتى لو استبعدنا التحليل المبني على نظرية المؤامرة فإنا نجد أنفسنا مضطرين حتى نفهم طبيعة مقاربة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لإصلاح الحقل الديني إلى الأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تعيشها الدول الإسلامية بعد إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية لحربها على الإرهاب بعد أحداث 11 من شتنبر 2001 ونهجها لسياسة إقحام الدول الإسلامية فيها حيث ظهرت في هذا الصدد سياسات ملموسة تمثلت في إصدار التوجيهات التي لا تُرد لأنظمة هنا وهناك في بلاد إسلامية بغلق المعاهد الدينية الإسلامية، أو ضمها إلى نظام التعليم غير الديني، أو فرض تبني مناهج هذا التعليم الأخير، أو تغيير مناهجها بالكامل لإدخال محتوى «دنيوي» عليها ليحل محل المحتوى الديني.
إن تزامن القيام بهذه الإصلاحات سواء فيما يخص مناهج ومقررات الدراسة بدار الحديث الحسنية أو ما تعلق بالحقل الديني ككل مع تحرك غربي جارف لفرض ما أُسمي بالإصلاح أو التطوير الديني على المسلمين والإسلام كوسيلة مزعومة لعلاج التطرف والإرهاب الذي قيل إنه ينشأ بين ظهرانيهم نتيجة لمناهج التعليم الديني الخاطئة ومفاهيم الدعوة والفكر المعوجة التي تلقن في مدارسهم ومعاهدهم، يطرح تساؤلات كثيرة.
خصوصا وأن دوائر الغرب السياسية والثقافية وحتى الكنسية والأمنية والاستخباراتية بدأت تطرح مفاهيمها الخاصة لإصلاح الإسلام ديناً وفكراً، وهي العملية التي احتلت مركز الصدارة وسط الحملة العسكرية السياسية على ما أسموه بالإرهاب.
وكمثال على ذلك تصريح ورد ضمن محاضرة ألقتها “إلينا رومانسكي” في العاصمة القطرية، وهي مسؤولة عمّا يسمى “برامج مبادرة الشراكة الأميركية – الشرق أوسطية”حيث قالت: “لا توجد فسحة من الآن فصاعداً للكراهية وعدم التسامح والتحريض ونحن نحاول أن نعيش معاً, وأي منهاج دراسي لا يسير في هذا الاتجاه يجب تغييره”، وكذلك إعلان وزير الدفـــاع الأمريكي السابق دونالد رامــسفليد أن هزيمة الإرهاب لا تتم بالقوة العسكرية فقط, وإنما من خلال “حرب الأفكار” أيضاً, مشيراً إلى خطر المدارس الدينية في العالم الإسلامي, والتي تجند – حسب قوله – “المتشددين الشبان”.
فكيف بعد هذا كله يمكن أن نتفهم إسناد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مهمة توجيه الطلاب المغاربة الذين يدرسون بدار الحديث الحسنية إلى الأستاذ الأمريكي؟

دار الحديث الحسنية.. أي إصلاح؟
في سنة 1936م أدخل المصريون في نظام التدريس بالأزهر تدريس اللغتين الإنجليزية والفرنسية ومبادئ الفلسفة وتاريخها، وفي العهد الناصري (سنة 1961م) صدر قانون تطوير الأزهر الشهير، الذي كان أهم ملامحه: إضافة مناهج وزارة التربية والتعليم إلى مناهج العلوم الشرعية المقررة على طلاب المراحل الأزهرية، ولأجل استيعاب هذا التطور فقد خفضت المواد الشرعية بنسبة 33%.
وبعد مضي سنين طويلة أجمع المراقبون أن مستوى خريجي الأزهر قد تدنى بشكل ملحوظ.
إن مقارنة بين محاولات الإصلاح سواء التي عرفها الأزهر أو تلك التي عرفها جامع القرويين يجمع بينها قاسم مشترك وهو تدني مستوى التعليم فيها، فهل يا ترى ستشترك دار الحديث مع أخواتها في المصير نفسه؟
إن تخصيص الثلثين للغات الحديثة والقديمة والتاريخ والعلوم الفلسفية والأديان الأخرى -كما ينص على ذلك نظام الدروس والامتحانات المضمن بالظهير المنظم للدراسة بدار الحديث- كان على حساب حصة المواد الشرعية التي تقلصت إلى الثلث مما سيجعل الدار تخرج أطرا لا هي حصل علما بالأديان الأخرى ولا هي أتقنت علوم دينها الشيء الذي سيجعلها غير مؤهلة للاضطلاع بمهمة إصلاح الحقل الديني المتوخاة.
ثم لماذا لم يترك وزير الأوقاف دار الحديث ويهتم بإنشاء مؤسسة علمية جديدة تدعم المؤسسات القليلة التي تعمل على استمرار الدين الإسلامي بالمغرب خصوصا مع المضايقات التي تعرفها مادة التربية الإسلامية في مؤسسات التعليم على اختلاف مستوياته؟
وهل المغاربة في حاجة إلى محاورة رجال الدين النصارى واليهود في الوقت الذي أصبحت الأمية الدينية تطال حتى أغلب الوزراء، فالجهل بأحكام الدين مستشر في النخبة المتعلمة المثقفة أكثر منه في عموم المغاربة؟
إن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إذا كانت جادة في دعاوى الإصلا فإن عليها أن تخصص الاعتمادات الكافية للمجالس العلمية وأن تشرك العلماء في الحياة العامة بدل سياسة الإقصاء وتكميم الأفواه بدعوى إعادة تنظيم وهيكلة الحقل الديني.

جواب وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية عن سؤال حول وظيفة

الأستاذ الأمريكي بدار الحديث
سؤال موقع الوزارة: عين باحث أمريكي مسلم كمدير أكاديمي لدار الحديث، ما هو الدور الذي قام به
جواب احمد التوفيق وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية: هذا الشاب المسلم من أذكى الناس الباحثين الذين لقيتهم أثناء إقامتي أستاذا زائرا بكلية الأديان بجامعة هارفارد. وقد كان مساعدا لي في التدريس و سبق أن نشر له كتاب عن المسلمين في شيكاكَو. وساعدته في بحثه للدكتورة في موضوع: ” فكرة العدل عند ابن الباقلاني ومسكويه”، وقد التحق بالتدريس في كلية بولاية أوريكَان إلى أن استدعيته ليقيم مدة سنة على أساس عقدة لكي يعينني خلالها في بعض المهام التي يتطلبها إصلاح دار الحديث في المرحلة الراهنة، وكلفته بأمور ثلاثة:
1- بناء قاعدة معطيات لإنشاء مكتبة متخصصة باللغات الأجنبية بدار الحديث على غرار مجموعة Canthwell Smith التي أعرفها وإياه في هارفارد.
2- إعطاء درس اختياري حول مداخل فكرية في الدراسات الإسلامية لطلبة السنة الثانية بعد الإجازة بدار الحديث باللغة الإنجليزية لكي يستأنسوا لما ينتظر منهم في السنة الموالية من تلقي بعض الدروس بالفرنسية أو بالإنجليزية و قد تعاقدنا لنفس الغرض مع باحث شاب آخر هو محيي الدين يحيى ابن المرحوم عثمان يحيى، وأطروحته حول رسالة الإمام الشافعي، وكلفناه بمهام مشابهة من جانب اللغة الفرنسية، وقد سبق التحاقه بدار الحديث الحسنية التحاق الأستاذ الأمريكي وشارك في لقاء مراكش، و لكنه لم يثر نفس الفضول لأنه ليس أمريكيا.
3 – تخصيص ساعات في مكتبه لنصح الطلاب إذا طلبوا توجيهات.
وقد كلفته نظرا لكثرة مشاغلي بتحضير لقاء مراكش، واتبع في تحضيره توجيهاتي في كل الجزئيات، ولكي يراسل المدعوين اقترحت عليه صفة أكاديمية لابد منها، وقد ابتدأت هذه الصفة الشكلية ببداية تحضير اللقاء، وانتهت بانتهائه.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *