العلماني المغربي.. جالس على “الزبالة” ويحكم على “الدبانة”
نجاة حمص

إذا كان العلماني الأعجمي يعرف بمكتبته العامرة، وأبحاثه الكثيرة، وسفرياته طلبا للحقيقة واستجلاء للغموض، متمردا على دينه الذي هو مجموعة خرافات وأساطير سطرت بعد عقود عديدة من وفاة أتباع أتباع أنبيائهم، تجلى فيها تناقض النقل مع العقل، فالعلماني المغربي.. غير ذلك كله.
لتكون علمانيا مغربيا، ذاك شيء من السهل الممتنع، يكفي أن تهتم بطول شعرك، فالشعر يلعب دورا مهما في حمل اللقب المدر للغدد اللعابية، وقد ترمى بالتخلف والتقوقع ولو ناديت بفصل الدين عن الدولة إذا لم يكن لك شعر ينسدل على كتفيك أو يطاول السماء منتفشا وباحثا عن الحقيقة الخفية..
إذن: عليك بالوصفات الشعبية لتحظى بشعر جذاب لميكروفونات الإعلام، وعدسات الكاميرا، فلا يكفي أن تعكف على الكتب والمخطوطات بقدر ما هو مهم الإحاطة بآخر “اللبخات”، المحفزة لخلايا فروة الشعر، وإذا كان العلماني الغربي يصف سعادته في إيجاد جواب لسؤال لطالما احتار فيه، فإن المغربي سيحدثك عن قفزه فرحا، تاركا سرواله تحت رحمة الجاذبية الأرضية وقوانينها، بعدما حل عقدة “العكفة” ليكتشف زيادة سنتيمترات في طول “سالفه”..
إذا تخطيت المرحلة الأولى بسلام فباقي الخطوات، هي من السهل بما كان، كل ما عليك هو التبحر والتنقيب في مكبات النفايات ومواطن الأزبال، فمزابل التاريخ هي التي تصنع العلماني الناجح، قد يكون الناس سمعوا من قبل بتدوير وإعادة تصنيع النفايات، لكنهم حتما لم يفكروا بإعادة تدوير الأفكار التي تفل عليها التاريخ وبصق، لذلك عليك بمسح تلك الزبالة مما علق عليها عبر الزمن وسنوات الضياع، وإصباغها صبغة حداثية ثائرة على الثوابت والركائز، غير عابئ بما يقال وما يروج، فمن يتهيب خوض المزابل يعيش أبد الدهر بين أحضان الفقر.. “واللي بغا الزبالة يصبر على قريص الدبان”.
نأتي إلى شحذ اللسان، لإكسابه الحدة اللازمة، ثم تسليطه على أكثر ما يثير الجمهور، وقبل ذلك علينا اختيار الجمهور الذي يشكل الغالبية العظمى ومعرفة نقط الضعف ومواطن الألم، حتى إذا اشتقنا للظهور والبروز، وأردنا تسليط الضوء علينا، شهرنا لساننا وتقيأنا على الآذان حصاد “التجلويق” في الزبالة والمزابل..
ولا ننس اللعب والمقامرة بأوراق: الديمقراطية، حقوق الإنسان، الحداثة، كما لا نغفل ضرورة وضع الأوراق المحترقة -التي تبخرنا بها طردا للظلامية والوهابية- تحت مفارشنا والجلوس عليها بكل ما أوتينا من ثقل، أو دفنها مع العظام التي نقتات عليها في أوقات السمر والأنس، كما يلزمنا حمل كميات مهمة من أوراق “الكلينيكس” لتجفيف دموعنا المتحسرة على الوضع، لمسح بصماتنا، دماء وعرق ضحايانا الذين يعترضون سبيل السقوط الناجح والتقدم إلى الوراء، وكذا حمل معطرات الجو وملطفاته، خاصة بعد المناقشات، المناظرات والمضاربات..
كما أن حمل لافتات جاهزة ومتغيرة حسب الظروف والعوامل، تشكل أساسيات العلماني المتقلب والناجح، العامل بالمثل المغربي: “طلع تأكل الكرموص”، ذلك المثل الذي وقف له لينين، ستالين، برلين وشيرين، باحترام وتقدير..
علينا إدراك مدى أهمية المطالبة بالحقوق، فسرعة استجابة شعب تقول له إن لك حقوقا من حقك أخذها، أسرع من تقول له أنك جاهل، اتبعني لأعلمك، إذ أن لعبة: “حقوقي..حقوقي” هي الطريق الأقرب إلى قلوب الملايين، ولنطالب بتلك الحقوق علينا هضمها ليتسنى لنا بعد ذلك اجترارها ومنحها للمطالب وفق تقنية التقطير ونظام: قطرة..قطرة، إضافة إلى أن سن قوانين جديدة توفر الأرضية الملائمة لتطبيق فكر “الزبالة” التي أشبعنا إياه، يقتضي منا المناداة بحذف أخرى، ليتسنى لنا الأخذ بأرجل المواطنين إلى حظيرة التحضر، وحقل التقدم..
يبقى السر الذهبي للنجاح، وقد أجلناه للنهاية، من باب، ختامها مسك، فالعلماني العربي والمغربي خاصة، إذا كنت لديه محببا أكثر من شم بلاستيكات النفاية، وأراد أن يبوح لك بسر “التيسير”، وبعد التفاته يمينا وشمالا في حذر، يتمتم في خفوت: “عليك برياضة القفز على الحواجز، اختر من له سور قصير، فالنيل منه مباح ومطلوب، والذب عنه جرم وجناية.. “الإسلام”، اقفز فوق ذلك السور، و”عبر كيبغيتي”.. والله يجيب التيسير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *