حمل المغاربة على فتح صدورهم لمالك والأشعري والجنيد الحلقة الثانية الدكتور محمد وراضي

إن نحن رغبنا في توجيه أمتنا إلى الارتباط بالثلاثية المذهبية التي تحدث عنها عبد الكبير العلوي المدغري، لكان علينا أن ننجز باختصار شديد ما يلي: 

التعريف أولا: بكل عنصر من عناصر الثلاثية المالكية والأشعرية والجنيدية. والرد ثانيا على سؤال فحواه: هل نحن ملزمون بالاستجابة لله وللرسول؟ أم نحن ملزمون بالاستجابة لأئمة الفقه والحديث والكلام والتفسير والتصوف؟ والاقتناع ثالثا بوجوب الاستدلال على ما لا نعرفه بمن يعرفه. ونحدد رابعا إجابة مقنعة عن الإشكال الذي طالما تم طرحه: ماذا لو تبين أن دليلنا غير ملم بما نرغب في معرفته على حقيقته لأننا نجهله؟
لا نقصد بالتحديد هنا كبار الأئمة، وإنما نقصد علماءنا وخاصة من قدر له منهم أن يصبح في يوم ما وزيرا للأوقاف؟
فلعدة قرون نقرأ القرآن على هيأة الاجتماع؟ وقراءته بهذه الكيفية مكروهة لدى مالك كراهة تحريم؟ إنها بدعة؟ مثلها مثل الدعاء الجماعي بعد الفراغ من الصلاة؟ فضلا عن طقوس غير مسنونة مرتبطة بالميت: قراءة القرآن أثناء دفنه. وإقامة وليمة مكلفة من أجله تسمى “عشاء الميت”. وحضور حمَلة القرآن في الوليمة لقراءته، ولقراءة مسمى “الفدية” في مناطق من المغرب؟ بغض النظر عن إقامة مسمى “الأربعينية” التي لا يعرفها الرسول ولا مالك ولا الصحابة قبله؟ ثم يقدم مبلغ مالي للقراء يناسب المقام والمقال: مقام العائلة المفجوعة! ومقال من يبيعون أدعية مستجابة وهم كاذبون!
ثم يطلب منا الحضور والإصغاء إلى المرشدين الدينيين المؤطرين حكوميا لغاية توضيح مقتضيات الثلاثية المذهبية التي يجهلونها أو يتجاهلونها -للأسف الشديد-. إنها عندهم بعض من تلك البدع التي يتحدث عنها الإمام -دون أن يضع أصبعه عليها- وهو يلقي خطبة الجمعة فيقول: “أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار” فيكون من حقنا أن نوجه له ولأمثاله هذين السؤالين: ما الأفضل في الدين: قول الرسول وفعله وتقريره؟ أم قول وفعل وتقرير غيره فيه؟
فإن كان القرآن يقرأ جماعة قبل أن يلقي صلى الله عليه وسلم خطبة الجمعة، وكان يفتتح الدعاء الجماعي بعد الفراغ من الصلاة! فلنقل بأننا مقتدون به! أما إن كان العكس هو الصحيح، فإن كل ذي عقل، وكل ذي ضمير ديني، يعلم أننا مصرون على رفض سنته! فنكون من المستدركين عليه! وكأن لسان حالنا يقول له: نحن أعلم منك بما فيه مصلحتنا. ولا ضير إن نحن خالفناك في قضايا تتعلق بالعبادات! وحتى بالمعتقدات! وحتى بالمعاملات!
إن ممارساتنا التعبدية اعتمادا على الأمثلة التي قدمنا بعضا منها موجزين في واد! وفقه مالك أو مذهبه في واد آخر! وقواعد مذهبه راسية على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وإلا ما قبل به أجدادنا ولا رحبوا به. إذ أنه لا أهلا ولا سهلا ولا مرحبا بالمبتدعين والمبتدعات!
أما العقيدة الأشعرية فلا تقر الحكم لأي كان بالجنة أو بالنار. مما يعني أن الحديث عن المرحوم والمغفور له، تطاول على غيب الله الذي لا يعرفه غيره! بينما نجد -ونحن نزور المقابر- لوحات من الرخام مكتوب عليها: المرحومة الحاجة فلانة! والمرحوم الحاج فلان!(1)
ثم إن العقيدة الأشعرية تعارض أي طعن في الربوبية وفي الألوهية. إنها لم تقل ببناء القبور ورفع القباب عليها، والإتيان بكل توابعها. دفعا من ديننا لدواعي الوقوع في مهواة الشرك التي ليس لها قرار؟
فالله واحد في ذاته وفي أفعاله وفي صفاته وفي أسمائه. “ليس كمثله شيء”. والقبورية توجه معتقديها إلى التجسيم الذي أقره المشبهة منذ أزمان! وأي ميل إلى التشبيه ضرب في الصميم لتنزيه الحق سبحانه! ولا أوضح في التشبيه من ادعاء الصوفية بأن العالم هو الله! وأن الله هو العالم! بل وذهبوا إلى أن كل مخلوق هو الله عز وجل في حد ذاته! كلبا كان أو حمارا أو بغلا أو بقرة؟؟
أما الجنيد الذي يدعي المغاربة التمسك بطريقته الصوفية فادعاء لا أساس له. إنه مجرد كلام لسبب غاب عن أذهان الكثيرين وفي مقدمتهم يقف الكاتب عبد الكبير المدغري؟
فتكون القناعات النظرية والممارسات التعبدية لدى الطرقيين عندنا؛ أبعد ما تكون عن اقتفاء أثر الرسول أو الاقتداء به، وأبعد ما تكون عن طريقة الجنيد المعلنة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف “الحضرة” ولا ذكر الله بالاسم المفرد “الله الله”! ولا ذكره ب”هو هو”! ومثله الجنيد الذي لا يمثل شيخا لطريقة صوفية ينضم إليها كل من هب ودب! فأصحابه لا يتجاوزون في الغالب العشرين. ومتى اجتمعوا حوله، كان اجتماعهم للمذاكرة وللتذكير، لا لذكر الله على هيأة الاجتماع؛ إذ المشيخة تقتضي أن يكون المريد أو التلميذ؛ أو الصاحب رفقة أستاذه ومرشده، حيث يتأتى له أن يستفسره عما عنَّ له.
فالجنيد يتحدث إلى أصحابه مثلا عن الصبر واليقين والمحبة والاستقامة، إلى آخر ما يحتاج إليه المقبل على ربه لنيل رضاه. وحتى يناله لا بد له من ممارسة عمليتي: التخلي والتحلي على نفسه. فالتخلي قطع الصلة بالرذائل، أو ما يسميه الغزالي بالمهلكات. والتحلي يعني تعزيز الارتباط بالفضائل، أو بما يسميه الغزالي بالمنجيات.
فأن ندعي بأن تديننا مبني على ثلاثية نجهلها، يقتضي مراجعة جدية صارمة. خاصة وأن الاتجاه إلى الممارسات الظلامية الصوفية وراءه اليوم إعلام محلي ودولي قوي، كما أن وراءه أموالا ومساعدات وتشجيعات محلية ودولية من الخطورة على ديننا بمكان!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- قول الناس المرحوم والمغفور له ليس المراد منه محض الإخبار؛ حتى يقال فيها اطلاع على الغيب؛ وإنما هو خبر مخرج الدعاء؛ أي اللهم اغفر له اللهم ارحمه. وهذا مثل قولهم فلان هداه الله وهم يقصدون اللهم اهده.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *