أحاديث مشتهرة لا تصح في باب الصيام -1- جمعها: إبراهيم الصغير

مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك من كل سنة، يبدأ الخطباء والوعاظ في الحديث عن شعيرة الصوم وفضائلها وأحكامها، وتكثر الدروس والمجالس، التي تكثر معها بعض الأحاديث المشتهرة التي لا تصح.
ومن هنا يحسن بنا جمع بعض هذه الأحاديث المنتشرة والتي لا تصح، وبيان حالها والتحذير منها ومن ترويجها.
تنبيهات مهمة:
-1 كون هذه الأحاديث مشتهرة بين الناس لا يعني أن ذلك دليل صحة، إذ لا تلازم بين شهرتها وصحتها، فما يشتهر بين الناس منه الصحيح ومنه الحسن ومنه ما هو دونهما.
-2 وكذلك كونها صحيحة المعنى، أو صحت موقوفة عن بعض الصحابة، فلا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأن صحة المعنى أو صحة وقفها على بعض الصحابة شيء، وصحة نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم شيء آخر.
-3 هذه الأحاديث لا تصح بهذه المتون المذكورة والأسانيد المبينة، لأنها قد تصح من طرق أخرى من غير زيادات تؤثر في صحتها مثلا.
-4 أن في الصحيح غُنية عن هذا كله.
من الأحاديث التي لا تصح:
-1 حديث: «لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان، إن الجنة لتزيّن لرمضان من رأس الحول إلى الحول»(1).
قال المنذري في «الترغيب»: «لوائح الوضع ظاهرة على هذا الحديث».
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر أن ابن خزيمة أخرج هذا الحديث في صحيحه قال: «وكأنه تساهل فيه، لكونه من الرغائب».
وذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/188)، والكناني في «تنزيه الشريعة» (2/153)، والشوكاني في «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» (1/254).
فهذا حديث منكر وباطل، آفته جرير بن أيوب، نقل فيه ابن حجر عن أبي نعيم: «كان يضع الحديث» وعن البخاري: «منكر الحديث» وعن النسائي: «متروك».
-2 الحديث المروي عن سلمان الفارسي، قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرَ يومٍ من شعبان، فقال: يا أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر، فرض الله صيامه، وجعل قيام ليله تطوعا، فمن تطوع فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر»(2).
مدار إسناد هذا الحديث على علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، قال ابن سعد: «فيه ضعف ولا يحتج به»، وقال عنه الإمام أحمد: «ليس بالقوي»، وقال ابن معين: «ضعيف»، وقال ابن أبي خيثمة: «ضعيف في كل شيء»، وقال ابن خزيمة: «لا أحتج به لسوء حفظه»(3).
فهذا الحديث مشتهر على الألسنة ويتداوله بعض الخطباء والوعاظ بكثرة قبيل حلول شهر رمضان، وهو حديث ضعيف لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذا فلا ينبغي ذكره والوعظ به وفي الصحيح ما يغني عنه.
-3 حديث «صوموا تصحوا».
لا يتحدث الناس عن الفوائد الصحية للصوم إلا ويذكرون هذا الحديث، الصحيح المعنى، والذي قد يكون صح موقوفا عن بعض الصحابة إلا أن صحة المعنى أو ثبوته عن الصحابة شيء، وصحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم شيء آخر.
فهذا حديث ضعيف ضعفه أهل الاختصاص، وحكم عليه بعضهم بالوضع، وهو أيضا مما لا ينبغي ذكره والاستدلال به ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الصنعاني: «موضوع»، وقال في المختصر: «ضعيف».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(1) رواه أبو يعلى في مسنده (9/180) وقال: «في سنده جرير بن أيوب ضعيف»، وأخرجه ابن خزيمة (1886) وقال: «إن صح الخبر».
-(2) رواه ابن خزيمة (1887)، والمحاملي في «أماليه» (رقم: 293).
-(3) انظر -غير مأمور- «تهذيب التهذيب» (7/323).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *