سرية الدعوة الشيعية ذ. طارق الحمودي

يعتبر الكتمان والسرية والتقية أهم ركائز الدعوة الشيعية، وبها استعانت في التمكين لدولتها في شمال أفريقيا على وجه الخصوص، فقد اعتمدوا على الجاسوسية في تأمين دعوتهم وتوفير مصدر معلومات عن مخالفيهم، وكان ذلك مما ساعد عبيد الله الشيعي على الفرار طول خط الساحل الشمالي لإفريقيا إلى أن وصل إلى المغرب الأقصى، مستعملين في ذلك أشكالا من أدوات التجسس والاتصال الخفي بالغة الإتقان والدقة.
مما دفع مؤلِّفَي كتاب “عبيد الله الشيعي إمام الإسماعيلية” إلى القول: «لسنا نغلو إذا قلنا إن الجمعيات السرية اليوم وهيئات الجاسوسية في كافة أنحاء العالم تلاميذ لتلك الجاسوسية الإسماعيلية»، وهذا يدفع إلى السؤال التالي: إذا كانت هيئات التجسس اليوم على تطور أدواتها وفنون إدارتها متفرعة عن الجاسوسية الإسماعيلية القديمة، وكانت الإسماعيلية اليوم لا تزال تحتفظ بنفس النفوذ المالي والسياسي الذي أقامته طوال سنوات عمرها، فما هي الحالة التي تطورت إليها الجاسوسية الإسماعيلية اليوم؟ وما محلها من أو في -إن صح التعبير- الحركات السرية، بل وفي المؤسسات العالمية والدول؟ وما علاقتها مثلا مع الماسونية العالمية، خصوصا وأن “برنارد لويس” نبه على أن نظامها السري مشابه للنظام السري للإسماعيلية؟
كان أئمة الإسماعيلية يتسارون علومهم بدرجة سرية كبيرة، فقد نقلوا عن جعفر الصادق قوله: «من أذاع لنا سرا أذاقه الله برد الحديد»، وها هو المهدي العبيدي يناول المنصور كتابا في خاصة علومهم، ويشترط عليه كتمانه فلا يطلع عليه أحدا، يقول المنصور: «ناولني كتابا ضخما وقال لي: هذا كتاب من الطب شريف، فانظر فيه وصنه، ولا يراه أحد عندك، ولا تطالع أباك عليه، ولا تخبر بما جرى بيني وبينك فيه، واحتفظ بالكتاب غاية الاحتفاظ… وأقمت يومي وليلتي أدرس فيه فلا أرى إلا علم الباطن محضا..» فراجع فيه المهدي فقال له: «انظر فيه واعرف معانيه واحفظ أصوله، فإن فيه أصولا من العلم الشريف، فإذا أنت حفظت ذلك وأيقنت معرفته فاصرفه لأعطيك غيره إن شاء الله تعالى».
بل يصل مستوى السرية إلى درجة أن يبلغ بمن أبيح له سرٌّ أن ينساه لشدة طيه وكتمانه، كما يحكي المعز: «لقد كان المنصور بالله ربما أسر إلي سرا، فلما اعتقده من طيه وكتمانه ربما أنسيته، ويسألني بعد ذلك عنه فلا أعرفه».
فلا يستغرب من تمكنهم وانتشار أمرهم إن كانت درجة سرية دعوتهم بهذه الحال، وكانت هذه العلوم مخصوصة بالأئمة يتوارثونها، سرية «لم يعرف لها التاريخ مثيلا» على حد قول النشار.
وقد كان للتقية جانب آخر، هو الأشد والأخطر، فقد كانت التقية تنطوي كما يدعي “جولد تسيهر” اليهودي على نية في الغدر والخيانة لكل مجتمع ودولة يكونون فيها أقلية متقية، وقد يصل الأمر في ذلك إلى سفك الدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *