شرح منظومة العلامة القاضي محمد أبي بكر القيسي الغرناطي التي سماها «نيل المنى في نظم الموافقات» للإمام الشاطبي -رحمه الله- الشيخ مولود السريري

واعلم بان كل أصل شرعي === ملائم تصرفات الشرع
لم يشهد…………………… ………………………
«واعلم بأن كل أصل شرعي» والمقصود به هنا الذي هو «ملائم» يوافق ما هو مقصود ومراد من «تصرفات» أي أحكام «الشرع» بأن يكون مفضيا وموصلا إلى تحقيق مصلحة شرعية.
فهذا وإن «لم يشهد» أي يرد فيه
……… النص على التعييـن === له صحيح في أمـور الـديـن
مرسل الاستدلال هذا أصلـه === لـمـالـك والـشـافـعـي نـقـلــه
وأصل الاستحسان مثل ذلك === وهو على رأي الإمام مالـك
تقـديـمـه مـرسـل الاستـدلال === على القياس الثابت الإعمال
«النص» فيذكر فيه «على التعيين» بحيث يذكر فيه بعينه فإنه أصل «له صحيح في أمور الدين» يبنى عليه ويرجع إليه.
وذلك لأنه قد صار بمجموع أدلته مقطوعا به «مرسل الاستدلال» هذا من باب إضافة الصفة للموصوف، والأصل الاستدلال المرسل «هذا» الذي ذكر من الأصل الشرعي المذكور يعتبر في بناء الأحكام، «أصله» الذي بني عليه، وقد ثبت «لمالك» ابن أنس إمام دار الهجرة «والشافعي» محمد ابن إدريس الإمام المعروف «نقله» واستخراجه من الأدلة الشرعية واعتماده أصلا.
«وأصل الاستحسان» الذي هو في مذهب مالك -على ما ذكره الشاطبي- الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي «مثل ذلك» الذي تقدم ذكره من أن الأصل الشرعي الملائم لتصرفات الشرع يتخذ أصلا، «وهو على رأي الإمام مالك تقديمه مرسل الاستدلال» ترجيحه له «على القياس» الصحيح «الثابت الإعمال» يعني إعماله -فأل نابت عن الضمير- في بناء الأحكام الشرعية.
قال الشاطبي:
في أن كل ما لا تبنى عليه الفروع الفقهية لا ينبغي ذكره في علم الأصول.
المقدمة الرابعة
كـل منـوط بأصـول الفـقــه === لا ينبنـي عليـه فـرع فـقـهـي
فـإن جـعـلـه مـع الأصــول === من جملة التشغيب والتطويل
كمثل لا تكليف عند الشرع === إلا بفعل……………………
«كل» شيء «منوط» معلق «بأصول الفقه» وهو في حقيقة الأمر «لا يبنى عليه» أي «فرع فقهي» وإنما يذكر في هذا العلم عرضا، ووصفه بالمعلق للإشعار بأنه ليس إلا ملصقا بهذا العلم.
«فإن جعله» وذكره «مع» مسائل «الأصول» ما هو إلا «من جملة التشغيب» أي الانحراف عن الحق والقصد «والتطويل» المذموم.
وذلك «كمثل» مسألة «لا تكليف» موجود «عند الشرع» يعني فيما أتى فيه من أمر أو نهي «إلا بفعل» فالمكلف به فيه الأمر هو الإتيان بالفعل المكلف به، أما في النهي فالمكلف فيه هو الكف أي الانتهاء، وقيل فعل الضد للمنهي عنه، وقيل الانتفاء للمنهي عنه، وذلك مقدور للمكلف بأن لا يشاء فعله الذي يوجد منه بمشيئته، وقيل يشترط قصد الترك في الإتيان بالمكلف به في النهي؛ وهذا الذي ذكره المصنف تبعا للشاطبي من أن هذه المسألة لا تتعلق بالفروع فيه نظر، فإن هذه التفاصيل تدل على أن الأمر -هنا- متعلق بما يجب على المكلف أن يكون عليه من قصد وحال في تحقيق الانزجار بمقتضى النهي الشرعي، وهذا من الفقه، لأنه مبين لهذا الفعل -الترك-.
…………………….. ……… وابتداء الوضع
والأمر للمعدوم…….. ……………………….
«و» كذلك مسألة «ابتداء الوضع» للغة وطرق معرفتها، والوضع وكل ذلك إنما يذكر تمهيدا لذكر اللفظ وأقسامه والحروف التي تذكر في هذا العلم بناء على أن اللغة من مستمدات علم الأصول، وذلك يقتضي ذكر هذه المسائل.
«و» كذلك «الأمر للمعدوم» الذي لم يوجد ولم يولد بعد، بناء على أن الخطاب الإلهي بالتكليف قديم، فهو موجه إلى كل من سبق في علم الله أنه سيوجد، إلا أنه غير مكلف تكليفا تنجيزيا، وإنما هو مكلف تكليفا معنويا؛ وهذه المسالة انجرّ الكلام إليها في علم الأصول من مسألة بيان حقيقة الحكم الشرعي.
…………… والرسول هـل === كـان لـه تـعـبــدا شــرع الأول
وليس بالـلازم أن يكون مـا === عـليـه فـقـه بـالتـي لهـا انـتـمـا
كالنحو والبيان والتصريف === وكالمعاني الآتي في الحروف
«و» كذلك مسألة «الرسول» صلى الله عليه وسلم «هل كان له» قبل البعثة «تعبدا شرع» للأمم «الأول» السابقة في العبادات، وهذه مسألة لا يبنى عليها أي فرع فقهي، ولكنها تذكر في أصول الفقه عرضا في مجاري الحديث عن عصمة الأنبياء، وما شابهها.
«وليس بـ» الأمر «اللازم» الواجب «أن يكون» كل «ما» يبنى «عليه فقه» مسألة «بالتي لها انتما» أي انتساب إلى هذا العلم.
وذلك «كالنحو والبيان والتصريف وكالمعاني الآتي» ذكرها «في الحروف» يعني الحروف التي تذكر في كتب أصول الفقه، فإن ذلك كله مما يستعان به على بناء الأحكام الفقهية بوجه ما، فهي من الوسائل التي يتوسل بها إلى إدراك معاني الأدلة التي يعتمد عليها في بناء القواعد الأصولية كما يعتمد عليها في استخراج الأحكام الفقهية من أدلتها.
وكل ما أشبهه في حكمه مما انقضى البحث به في علمه
لكن هنـا مسألـة خطيـرة وفـي الأصـول عندهـم شهيـرة
وهي………………….. ……………………………….
«وكل ما أشبهه» أي أشبه ما ذكر «في حكمه» بحيث يكون «مما انقضى» أي انتهى «البحث به» أي فيه والنظر، فلم يبق فيه ما يقتضي حاله أن يدرس ويبحث، فجميع جهاته ومواطن النظر والبحث قد درست وبحثت «في علمه» بما فيه غنية وكفاية، وذلك مثل تقاسيم الاسم والفعل والحرف والكلام على الحقيقة والمجاز، والمشترك والمترادف.
«لكن» توجد «هنا» يعني في المسائل اللغوية المدروسة في هذا العلم -علم الأصول- «مسألة خطيرة» عظيمة القدر والشأن، «وفي» علم «الأصول عندهم شهيرة» عريقة.
«وهي» مسألة
…….. القـرآن عربي كله كذلك السنـة أيضـا مثله
من جهة الألفاظ والمعاني ومقتضى أساليب البيان
ليس الكلام في المعربات وكـل ذا بـيـانـه سيـاتـي
«القرآن عربي كله كذلك السنة أيضا مثله» وهذه المسألة يسوقها الأصوليون للبحث عن كون المعربات موجودة في الكتاب والسنة أم أنها غير موجودة فيهما.
والشاطبي يرى أن معنى كون القرآن عربيا -الذي هو المبحث الأصولي الحقيقي- هو «أن القرآن في ألفاظه ومعانيه وأساليبه عربي، بحيث إذا حقق هذا التحقيق سلك به في الاستنباط منه والاستدلال به مسلك كلام العرب في تقرير معانيها ومنازعها في أنواع مخاطباتها خاصة»(*).
وفي ذلك يقول المصنف: «من جهة الألفاظ و» من جهة «المعاني و» من جهة «مقتضى» حكم «أساليب» وطرق «البيان» ووجوهه، فإنه في ذلك عربي.
و«ليس الكلام» في هذه المسألة محله «في المعربات» وهي الكلمات فقط، لأن هذا من علم النحو واللغة، «وكل ذا» الذي ذكره من أن القرآن والسنة عربيان على الوجه المتقدم ذكره «بيانه» وإيضاحه «سيأتي» في كتاب المقاصد -إن شاء الله تعالى-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(*) الموافقات، ج.1/ ص.30.
يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *