الغليان الهام المسجل في المنطقة المغربية الإسبانية وصل لحد الاقتتال الدموي بين المغاربة والإسبان؛ هذه الحوادث مثلت بالنسبة لنا شيئا مهما بسبب الانعكاس الذي سيحدثه في المنطقة الفرنسية أكثر منه في المنطقة الدولية بطنجة.
الكل يعرف أن المنطقة الموضوعة تحت السلطة الإسبانية بالمغرب تمتد من العرائش لغاية مليلية، الجنرال ألفو المقيم العام لذى الخليفة مولاي المهدي يسير مجموع المصالح الإدارية والعسكرية مثلما هو الأمر بالنسبة للجنرال ليوطي بالمنطقة الفرنسية.
بيد أن التشابه بالمنطقتين لا يمكن أن يتم بسبب الوضع الجغرافي لهما، بحيث لا يتيح للإسبان تجميع قواتهم مثلما هو الأمر بالنسبة للفرنسيين وتوزيعها عند الحاجة، لذلك لجأ المسؤولون العسكريون الإسبان لتقسيم قواتهم على ثلاث مسارح للعمليات، كل واحدة منها متميزة عن الأخرى بالشكل التالي:
واحدة حول مليلية، وأخرى في ناحية سبتة وتطوان، والأخيرة في العرائش والقصر الكبير.
وتكون في مجموعها ما يفوق 50.000 جندي، لكن بعد تصريح الكونت رومانيوني رئيس مجلس الوزراء يوم 7 يونيو بوجوب دعم تلك القوات بأعداد إضافية لتصل في مجموعها لحوالي 70.000 جندي.
بالنسبة لمليلية سيمدد الاحتلال لغاية سلوان، وفي الداخل لواد كرت، وستكون المراكز المتقدمة منفصلة تماما عن باقي المراكز الأخرى في الداخل، حتى يتسنى لها التحرك بحرية أثناء قيامها بالمهام المنوطة بها.
يشار بأنه لم يسجل وجود أية علائق بين القوات المتمركزة في تطوان وأحوازها والأهالي الغير الخاضعين للسلطة الإسبانية، كما أن الإسبان لم يستولوا لحد الآن إلا على المدينة والديوانة البحرية والطريق الرابطة بين تطوان وسبتة المحاذية للبحر.
في العرائش امتد الاحتلال لأزيلا وطريق القصر طنجة عبر سوق ثلاثاء ريسانة وسيدي اليمني، الناحيتين تطوان والعرائش بصراحة مفصولتين كل منهما عن الأخرى بسلسلة من الجبال، ومعلوم أن جبال شمال المغرب تقوم حاجزا منيعا أكثر من الأنهار.
كما يلاحظ أن سكان الريف بدائيين لا يتكلمون سوى البربرية، يديرون حياتهم بواسطة أعراف تقليدية وليس بتعاليم القرآن، مسلمين لكن أقل نشاطا في تطبيق تعاليم القرآن كما سلف، متشبثين باستقلالهم مرتبطين بقوة بأرضهم، شديدي العداء للإسبان، لم يعد متطوعوهم المقاتلون يفدون على تطوان كما كان في السابق وإنما يتجمعون منذ مدة في كرت أو يلازمون قراهم، وهم مقاومون أشداء لمن حاول اجتياح قراهم.
يشار إلى أن مدينة شفشاون تعتبر من المراكز الثقافية الإسلامية، ونعرف أن اجبالة بصفة خاصة يكرهون الإسبان ويحتقرونهم كأجانب ومسيحيين، وهذا العداء يكون أكثر خطرا كلما اتخذ اجبالة وضعا مركزيا بين العساكر الإسبانية في كل من العرائش وتطوان، وهم على حافة شاطئ المتوسط حيث يضمنون سهولة تهريب تموينهم بالسلاح والذخيرة.
في 19 يبراير الأخير عندما احتل الجنرال ألفو تطوان، منذ ذلك الحين القوات الإسبانية لم تتحرك وهو ما سبق أن حذرنا منه عشرات المرات في جهات أخرى من المغرب.
العناصر المحرضة على الشغب ما تنفك تثير الحوادث باطراد كبير مما يجعل التحرك العسكري أمر حتميا لا مفر منه ضدها؛ بالنسبة لتطوان الوضعية معقدة جدا وذلك بسبب تدخل الريفيين الذين لازموا مراكز تتواجد بين القوات الإسبانية في كل من مليلية وتطوان سيعيق تقدم إحداها نحو الأخرى عند اللزوم.
المواجهات ستنطلق عندما تظهر أولى مصاعب الريسولي مع الإسبان في أصيلا.
احتلال تطوان المتوقف عند حدود المدينة لم يزد الوضع إلا سوء، كما أن وصول الخليفة مولاي المهدي وضع المزيد من المخاوف لدى الريفيين الذين باتوا يخشون من تحرك مخزني وإسباني وشيك لاجتياح أراضيهم.
اجبالا لم يكونوا أقل قلقا من الريفيين في حالة ما إذا تحركت القوات الإسبانية والمخزنية ضد أيهما، وما يبرر قلقهم هو احتلال القصر وثلاث ريسانا من قبل الكلونيل سيلفستر، ومنع تحركات السكان في وادي اللكوس لتأمين ممتلكات المعمرين في السهل حتى لا يستولي عليها الجبليون، بل أكثر من ذلك قامت القوات الإسبانية بتهديدهم في عقر ديارهم بالجبال حيث هاجمتهم وأحرقت بعض المداشر التي طالتها، كما سربوا أخبارا تقول بأن الإسبان سيزحفون لا حقا على الشاون.
في بداية ماي اجتمع ممثلون عن الريفيين واجبالة في ضريح مولاي عبد السلام وأبرموا اتفاقا على أساس العرف الجاري العمل به عندهم في حالة تعرضهم لخطر خارجي.
600 ريفي سيقدمون الشاون للعمل في نواة متطوعي اجبالة وبداية تنفيذ هجمات بالسلاح اليدوي في محيط تطوان، فأصبحت بذلك طريق طنجة تطوان خطرة، وكذلك صارت طريق سبتة تقريبا غير قابلة للاستعمال.
ابتداء من 10 يونيو عهد بأبواب المدينة لمراقبة مراكز الجنود الإسبان بدل عناصر طابور البوليس، ووضعت الحراسة عينها في وسط المدينة نفسها وكذا على الإقامة العامة والقنصليات.
ابتداء من ليلة 15 و16 تم إشعال النيران على قمم الجبال على العادة في الإعلام بالتأهب للقتال، فتم على إثر ذلك توزيع السلاح في المدينة استعدادا للدفاع عنها، وقد علم أنه بعد الاجتماع المنعقد في مولاي عبد السلام غادرت حركة الشاون نحو تطوان وعسكرت على بعد مسيرة ساعتين منها في عهدة بني معدن وبني حزمر، في حين انتشرت مجموعات أخرى في الوديان تراقب الطرق المؤدية لمداخل الجبال وحمايتها.
تم دعم الاتفاق على خطة للأهالي لمهاجمة مركز لبيوت المقام على طريق سبتة والاستيلاء على ما فيه من مدخرات ضخمة من الذخيرة والسلاح.
ولجلب تعاطف الأوربيين تقرر في الاجتماع الذي تم بمولاي عبد السلام باحترام الأجانب وممتلكاتهم ماعدا الإسبان من قبل كافة المتمردين تحت طائلة عقوبة قاسية هي القتل لمخالف القرار السابق.
الإسبانيون أخذوا احتياطاتهم فأقاموا شريطا بارزا، وساروا يتحركون في دوريات قوية للمراقبة في شعاع كلمترين، متخذين أقصى درجات الاحتياط في عبور الحدائق المنتشرة في الوهاد، كما بعث بتعزيزات عسكرية من سبتة.
من 19 ماي لغاية 3 يونيو تكررت الاعتداءات والهجمات تقريبا يوميا دون عقاب مما أغضب المعمرين الإسبان فطالبوا بالقيام بعمل عسكري جاد لحمايتهم من المعادين لهم.
الجنود الإسبان المتمركزون في تطوان والبالغ عددهم حوالي 6000 جندي أصبحوا في وضعية تفرض عليهم القيام فقط بالدفاع ضد مجمعات من الجائلين الذين يحملون مخططا عجائبيا يفيد بأنه سيعلن هجوم على شمال المدينة وشرقها لقطع اتصال الإسبان بالبحر وسبتة قبل دخول المدينة.
في الحقيقة الحركة لم تنم بسرعة، ففي نهاية ماي تجمع حوالي 2000 بندقية وعسكرت على بعد حوالي 15 كلم من المدينة على طريق شفشاون، رؤساء التحرك اجتمعوا في مولاي عبد السلام لصلاة الجمعة، في 30 ماي حيث أعلنوا مهاجمة تطوان ومحاصرتها، في نفس الآن كانت مليلية تعاني من تجاوز الأوربيين كل الحدود، تلك المداولات حضرها شخصيا الريسوني الذي قدم من الزينات.
السلام هو القرار الموحد بين المتحالفين الذي صودق عليه في اجتماع مولاي عبد السلام السالف الذكر، والذين كونوا مخزنا يتخذ من شفشاون عاصمة له.
المجتمعون في مولاي عبد السلام بجبل العَلم يمثلون 39 قبيلة ما بين كبيرة وصغيرة، مما يعني تقريبا كل سكان الريف واجبالة، ومن بين ما اتفق عليه إقامة هدنة بين القبائل المتحالفة وإيقاف خصاماتهم البينية الداخلية، وذلك طبقا للعرف البربري أكثر منه للتعليمات الإسلامية.
هذه القبائل اختارت أثناء الاجتماع في 30 ماي بعد صلاة الجمعة قائدا أوحد للحرب، الانتخاب قدم لهذا المنصب الشريف ولد سيدي لحسن من سلالة مولاي عبد السلام الساكن في بني اعروس قريبا من ضريح جده.
بعض من المقررات المتخذة في الاجتماع هو:
– تنظيم مخزن، وإقامة مشور، ومخزنية، ووزراء، وموظفون، تصدر عنهم القرارات وتنفذ.
– إقامة مخازن للمؤونة والذخيرة وسجن.. الخ.
– فرض مساهمة مالية حربية أولية قبلت من كل القبائل محددة بنصف دورو للمنزل أي ما يقارب فرنكان.
– إنشاء ديوانة بشفشاون.
– الامتناع عن التسوق من تطوان مباشرة أو بواسطة.
– تنظيم التزود بالمؤنة من طنجة وفاس والذخيرة والسلاح من الريف.
– الدخول في علاقات مع القناصل والأجانب لإخبارهم بأن طرق الناحية آمنة، وحرة الاستعمال
بالنسبة لليهود والأوربيين ما عدا الإسبان.
– كل عنف يرتكب ضد أي أجنبي ما عدا الإسبان يعاقب مرتكبه بأقسى عقوبة.