قصيدة العدد

 

 ثناء ودعاء

قال الأصمعي سمعت غلاماً يمجد ربه بأبياتٍ

يا فاطر الخلق البديع وكافلا … رزق الجميع سحاب جودك هاطل

يا مسبغ البر الجزيل ومسبل ال … ستر الجميل عميم طولك طائل

يا عالم السر الخفي ومنجز ال … وعد الوفي قضاء حكمك عادل

عظمت صفاتك يا عظيم فجل أن … يحصي الثناء عليك فيها قائل

الذنب أنت له بمنك غافر … ولتوبة العاصي بحلمك قابل

رب يربي العالمين ببره … ونواله أبدا إليهم واصل

متفضل أبدا وأنت لجوده … بقبائح العصيان منك تقابل

وإذا دجا ليل الخطوب وأظلمت … سبل الخلاص وخاب فيها الآمل

وأيست من وجه النجاة فما لها … سبب ولا يدنو له متناول

يأتيك من ألطافه الفرج الذي … لم تحتسبه وأنت عنه غافل

يا موجد الأشياء من ألقى إلى … أبواب غيرك فهو غر جاهل

ومن استراح بغير ذكرك أو رجا … أحداً سواك فذاك ظل زائل

رأي يلم إذا عرته ملمة … بسوى جنابك فهو رأي مائل

عمل أريد به سواك فإنه … عمل وإن زعم المرائي باطل

أنا عبد سوء آبق كل على … مولاه أوزار الكبائر حامل

قد أثقلت ظهري الذنوب وسوت … صحفي العيوب وستر عفوك شامل

ها قد أتيت وحسن ظني شافعي … ووسائلي ندم ودمع سائل

فاغفر لعبدك ما مضى وارزقه تو … فيقاً لما ترضى ففضلك كامل

وافعل به ما أنت أهل جميلة … والظن كل الظن أنك فاعل

 

 وتلك الأمثال

 دَعِ امْرأً وَمَا اخْتَارَ

يضرب لن لا يقبل وعْظَكَ، يقال: دَعْه واختياره، كما قيل:

إذا المرءُ لم يدر ما أمكنه … ولم يأتِ من أمْرِهِ أزْيَنَهْ

وأعْجَبَه العجب فاقْتَادَهُ … وتَاهَ به التيهُ فاسْتَحْسَنَهْ

فدَعْهُ فقد ساء تَدْبِيرُهُ … سَيَضْحَكُ يَوْماً ويبكي سَنَةْ

ونكَّر قوله “امْرَأَ” لأنه أراد بالنكرة العمومَ كقوله تعالى {آتِنَا في الدنيا حَسَنةً وفي الآخرة حسنة} والواو في قوله “وما اختار” بمعنى مع، أي اتْرُكْهُ مع اختياره وكِلْه إليه. مجمع الأمثال.

 

فوائد

من كتاب فقه اللغة وسر العربية للثعالبي: فصل «في تَرْتِيب جَمَاعَاتِ النَّاسِ وَتَدْرِيجهَا مِنَ القِلَّةِ إلى الكَثْرَةِ عَلَى القِيَاسِ والتَّقْرِيبِ».

نَفَر وَرَهْطٌ ولُمة وشِرْذِمَة. ثُمَّ قَبِيل وَعُصْبَة وَطَائِفَةٌ. ثُمَّ ثُبَة وثُلَّة. ثُمَّ فَوْجٌ وفِرْقَةٌ. ثُمَّ حِزْب وزُمْرَة وزُجْلَة. ثُمَّ فِئَامٌ وجِزْلَة وحَزِيقٌ وَقِبْصٌ وَجُبلَةٌ وجُبُلُّ.

الفصل الثاني “في تَفْصِيلِ ضُرُوبٍ مِنَ الجَمَاعَاتِ”.

“عَنِ الأئِمَّةِ”.

إذا كَانُوا أَخْلاَطاً وضُروباً مُتَفَرِّقِينَ فَهُمْ أفْنَاءُ وأوْزَاعٌ وأوْبَاشٌ وأَعْنَاق وأشَائِبُ. فإذا احْتَشَدُوا في اجْتِمَاعِهِمْ فَهُمْ حَشْدٌ. فإذا حُشِروا لأَمْرٍ مَا فَهُمْ حَشْرٌ. فإذا ازْدَحَمُوا يَرْكَبُ بَعْضُهْم بَعْضاً فَهُمْ دُفَّاع. فإذا كَانُوا عَدَداً كَثِيراً مِنَ الرَّجَّالَةِ فَهُمْ حَاصِب. فإذا كَانُوا فُرْسَاناً فَهًمْ مَوكِبٌ. فإذا كَانُوا بَفي أبٍ وَاحِدٍ فَهُمْ قَبِيلةٌ. فإذا كَانُوا بَفي أبِ واحدٍ وأمٍّ وَاحِدَةٍ فَهُم بَنُو الأعْيَانِ. فإذا كَانَ أبُوهُمْ واحِداً وأُمَّهاتُهُمْ شَتَّى فَهُمْ بَنُو الَعَلاَّتِ. فإذا كَانَتْ أُمُّهُمْ وَاحِدَةً وآباؤًهُمْ شَتَّى فَهُمْ بَنُو الأَخْيَافِ.

 

سحر البيان

 وصف الشعر لعبد الله الناشئ

قال الناشئ في فصل من كتابه في الشعر: الشعر قيد الكلام وعقل الآداب. وسور البلاغة. ومعدن البراعة. ومجال الجنان. ومسرح البيان. وذريعة المتوسل. ووسيلة المتوصل. وذمام الغريب. وحرمة الأديب. وعصمة الهارب. وعدة الراهب. ورحلة الداني. ودوحة المتمثل. ومنحة المتجمل. وحاكم الأعراب. وشاهد الصواب. (ثم قال) الشعر ما كان سهل المطالع. فصل المقاطع. فحل المديح جزل الافتخار. رقيق النسيب سائر المثل. سليم الزلل. عديم الخلل. رائع الهجاء. موجب المعذرة. محب المعتبة. مطمع المسالك. فائت المدارك. قريب البيان. بعيد المعاني. نائي الأغوار. ضاحي القرار. نقي المستشف. قد هريق فيه ماء الفصاحة. وأضاء له نور الزجاجة. فانهل في صادي الفهم. وأضاء في بهم المرائي. لمتأمله ترقرق. ولمستشفه تألق. يروق المتوسم. ويسر المتبرسم. قد أيدت صدوره متونه. وزهت في وجوهه عيونه. وانقادت كواهله لهواديه. وطابقت آثاره لمستوضحه. وأشبه الروض في وشي ألوانه. وتعمم أفنانه. وإشراق أنواره. وابتهاج أنجاده وأغواره. وأشبه الوشي في اتفاق رقومه. واتساق رسومه. وتسطير كفوفه. وتحبير حروفه. وحكى العقد في التئام فصوله. وانتظام وصوله. وازديان ياقوته بدره. وفريده بشذره. قد كشف الإيجار موارده. وصقلت مداوس الدرب مناصله. وشحذت مدارس الأدب فواصله. فجاء سليما من المعايب مهذبا من الأدناس يتحاشاه الابن. وتتحاماه الهجن. مهديا إلى الأسماع بهجته. وغلى العقول حكمته. وقد قلت في الشعر قولاً جعلته مثلاً لقائليه. وأسلوبا لسالكيه. وهو:

الشعر ما قومت زيغ صدروه … وشددت بالتهذيب أسر متونه

ورأبت بالإطناب شعب صدوعه … وفتحت بالإيجاز عور عيونه

وجمعت بين قريبه وبعيده … ووصلت بين مجمه ومعينه

وعمدت منه لكل أمر يقتضي … شبها به فقرنته بقرينه

فإذا بكيت به الديار وأهلها … أجريت للمحزون ماء شؤونه

ووكلته بهمومه وغمومه … دهراً ولم يسر الكرى بجفونه

وإذا مدحت به جوادا ماجد … وقضيته بالشكر حق ديونه

أصفيته بنفيسه ورصينه … ومنحته بخطيره وثمينه

فيكون جزلاً في اتفاق صنوفه … ويكون سهلا في اتساق فنونه

وإذا أردت كناية عن ريبة … باينت بين ظهوره وبطونه

فجعلت سامعه يشوب شكوكه … ببيانه وظنونه بيقينه

وإذا عتبت على أخ في زلة … وأشكت بين مخيله ومبينه

فيحول ذنبك عند من يعتده … عتبا عليه مطالبا بيمينه

والقول يحسن منه في منثوره … ما ليس يحسن منه في موزونه

سلسلة أشهر القصائد

اشتهرت الخنساء رضي الله عنها برثاء أخيها صخر بقصائد من أشهرها الرائية التي مطلعها:

قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ … أَم ذَرَفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ

والقصيدة مليئة بالزفرات والآهات التي يصدرها قلب مكلوم مفجوع بفقد أحب الناس إليه، من ذلك قولها:

كَأَنَّ عَيني لِذِكراهُ إِذا خَطَرَت … فَيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ مِدرارُ
تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت … وَدونَهُ مِن جَديدِ التُربِ أَستارُ

تَبكي خُناسٌ فَما تَنفَكُّ ما عَمَرَت …  لَها عَلَيهِ رَنينٌ وَهيَ مِفتارُ

ثم تجعل باقي الأبيات للإشادة بأوصاف صخر وأخلاقه التي أوجبت له الرئاسة في قومه، من ذلك:

وَإِنَّ صَخراً لَوالِينا وَسَيِّدُنا … وَإِنَّ صَخراً إِذا نَشتو لَنَحّارُ

وَإِنَّ صَخراً لَمِقدامٌ إِذا رَكِبوا … وَإِنَّ صَخراً إِذا جاعوا لَعَقّارُ

وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ … كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ

جَلدٌ جَميلُ المُحَيّا كامِلٌ وَرِعٌ … وَلِلحُروبِ غَداةَ الرَوعِ مِسعارُ
حَمّالُ أَلوِيَةٍ هَبّاطُ أَودِيَةٍ …. شَهّادُ أَندِيَةٍ لِلجَيشِ جَرّارُ

نَحّارُ راغِيَةٍ مِلجاءُ طاغِيَةٍ … فَكّاكُ عانِيَةٍ لِلعَظمِ جَبّارُ

وإذا كانت هذه أخلاق صخر في قومه فإنه يمثل لأخته خاصة صدرا دافئا وملاذا آمنا وهو أغز قريب وأخص نسيب:

قَد كانَ خالِصَتي مِن كُلِّ ذي نَسَبٍ … فَقَد أُصيبَ فَما لِلعَيشِ أَوطارُ

وهكذا كل أبيات القصيدة، صورة شفافة لعاطفة صادقة، من أخت يحترق فؤادها لفقد أخ عزيز عليها.

 

فسحة الواحة

الشاعر والمأمون

أتى شاعر المأمون فقال: لقد قلت فيك شعرا. فقال:

أنشدنيه. فقال:

حياك رب الناس حياكا … إذ بجمال الوجه رقاكا

بغداد من نورك قد أشرقت … وأورق العود بجدواكا

فأطرق المأمون ساعة وقال: يا أعرابي وأنا قد قلت فيك شعراً وأنشد يقول:

حياك رب الناس حياكا … إن الذي أملت أخطاكا

أتيت شخصاً قد خلا كيسه … ولو حوى شيئاً لأعطاكا

فقال يا أمير المؤمنين الشعر بالشعر حرامٌ. فاجعل بينهما شيئاً يستطاب. فضحك المأمون وأمر له بمال.

الأسود والأبيض

حكي أن الحجاج اشترى غلامين أحدهما أسود والثاني أبيض. فقال لهما في بعض الأيام: كل واحدٍ يمدح نفسه ويذم رفيقه.

فقال الأسود:

ألم تر أن المسك لا شيء مثله … وأن بياض اللفت حملٌ بدرهم

وأن سواد العين لا شك نورها … وأن بياض العين لا شيء فأعلم

وقال الأبيض:

ألم تر أن البدر لا شيء مثله … وأن سواد الفحم حملٌ بدرهم

وأن رجال الله بيضٌ وجوههم … ولا شك أن السود أهل جهنم

فضحك صاحبهما وأجازهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *