سلسلة منطلقات الخلاف بين أطياف السلفية المعاصرة -ج 16- كل الطرق تؤدي إلى أرض الأفغان إعداد: مراد أمقران

كانت (الحركة الجهادية المصرية) ممثلة في مختلف جيوبها التنظيمية (مجموعة المعادي.. مجموعة الاسكندرية.. مجموعة سالم الرحال.. الجماعة الاسلامية.. تنظيم الجهاد) قد رسمت منذ بدأ نشأتها الأولى خطوطا وأهدافا عريضة تعكس طريقة عملها الجهادي واستراتيجيتها المتبعة في المواجهة وأهدافها المنشودة، وما حتمية إسقاط النظام المصري الذي كان يسوس البلاد والعباد بقوانين وضعية، ويوالي أعداء الإسلام من اليهود والأمريكان إلا على رأس هذه الاهتمامات والأولويات..
لكن سنوات الصدام مع الدولة وأجهزتها الأمنية وما أفرزته المواجهات المسلحة من صفحات الدم والتضحية والتنكيل في السجون كانت جاثمة على صدور قادة الجهاد المسلح حتى أن الأحداث التي تلت القبض على معظم أفراد طلائع الفتح كانت تنبأ عن خسائر مريرة متواصلة تتكبدها الحركة الجهادية أواسط التسعينيات من القرن المنصرم، ويكفي علقما وخسارة لها أن معظم القيادات التاريخية القديمة قد اختفت من ساحة المواجهات بفعل الإعدام أو الأحكام المؤبدة أو الفرار خارج البلد ناهيك عن وحشة القهر التي خيمت على شباب الجهاد في سجون النظام المصري.
وبالتالي فان الحركة الجهادية المصرية التي كانت قد حددت في بداية ظهورها أهدافها بوضوح تام لا يخرج عن إطار ضرورة إقامة الدولة الإسلامية ولو اقتضى الحال الاستعانة بقوة النار والحديد وسياسة البلاد والعباد بأحكام الشريعة.. (أدركت أن الصدام بينها وبين النظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا بتوجيهات من اليهود والذي كان يوفر الحماية للنظام المصري واقع لامحالة ولا مناص منه)، ومن العبث أن تشغل الحركة الجهادية نفسها بإزاحة الأحجار الصغيرة المتناثرة على طريق الجهاد بينما تدير ظهرها وتغفل عن (حتمية) إزاحة الصخرة الكبيرة القابعة في وسط طريقها والتي من شأنها أن تعيق سيرها إلى الهدف المرسوم.. وسرعان ما استشعر الجهاديون أن قدرهم يحتم عليهم الدخول في حرب ضروس طويلة الفصول والوقائع مع النظام العالمي والأقطاب الدولية التي كانت تتدخل في شؤون الدول الاسلامية بمنطق الشرطي الآمر الناهي، ولم يلبث الجهاديون طويلا حتى قصوا شريط فصول المواجهة في أفغانستان ولازالت الحركات الجهادية تخوض أطوارها مستعينة بالله إلى يومنا هذا.
وسعيا منها لتحقيق هذه (الغاية الكبرى) نفرت القيادات والكوادر الجهادية جماعات وفرادى إلى أرض أفغانستان التي كانت تشكل حينها أرضا خصبة لإقامة نظام حكم إسلامي تساس فيه أمور الدنيا بالدين، ويقام فيها مجتمع العدل الذي يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر مما سيمهد تدريجيا إلى تكوين جيش قوي منيع قادر على حماية العقيدة والأرض والعرض وبناء جيل مؤمن بربه مدرك للواقع المحيط به ومتفهم لحقيقة الصراع الوجودي بين الحق والباطل..
وقد تزامنت الهجرة الجماعية للكوادر الجهادية من شتى بقاع العالم مع النداء الشهير الذي أطلقه شيخ المجاهدين العرب بأرض الأفغان الشيخ الفلسطيني الأردني عبد الله عزام رحمه الله والذي حث من خلاله كافة المسلمين على الالتحاق والنفر إلى أفغانستان بغية المشاركة في دحر السوفييت الغزاة.. وما هي إلا أيام قليلة تلت دعوة عبد الله عزام حتى توافد المجاهدون على أفغانستان زرافات ووحدانا ومن مختلف أصقاع العالم.
سعى قادة الجهاد منذ اليوم الأول لهم على أرض الأفغان إلى استقطاب الخامات والكفاءات الإسلامية المتناثرة في شتى أنحاء العالم حتى يتسنى لها وضع خدماتها رهن إشارة الجهاد الأفغاني في سبيل تشكيل قوة ردع إسلامية تحمي المستضعفين وتنقذ المظلومين وتسترد ما سلب من مقدسات المسلمين.. ولم ينتظر عبد الله عزام طويلا حتى بادر بنفسه في أواسط عام 1986م إلى إنشاء أول معسكر إعدادي لتدريب المجاهدين العرب وصقل مهاراتهم وتطويرها داخل الأراضي الأفغانية وأطلق عليه يومئذ “عرين الأسد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *