في أفق تحويل المغرب إلى مقاطعة فرنسية الأستاذ إدريس كرم

يقول الجنرال ليزو في كتابه المعنون بـ:
Notre politique au Maroc
علاقتنا السياسية لم تبدأ في الحقيقة إلا غداة تواجدنا في الجزائر، فإلى ذلك الحين كنا لا نعرف سلاطين فاس إلا كبرابرة معادين لكل ما هو أوربي دون استثناء. (ص: 7)
وكان لا يخشى من اجتياح إسباني انطلاقا من المتوسط، لأن العملية حتى ولو تمت فإنما ستتجه نحو وادي كارت انطلاقا من مليلية، وهي أقل طولا من خطنا بين وجدة وتازة، والمحافظة عليها أمر سهل. (ص: 117)
المغرب سوق كبير يريد الأوربيون أن تتدفق بضائعهم الصناعية إليه، والدول المتنافسة عليه هي إنجلترا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا، وأخيرا فرنسا التي بدأت تتواجد على أرضه لكنها للأسف ضعيفة؛ فالمغرب إذن في مواجهة مع القوى الأوربية.
السلطان لا يريد إقامة سوى مكاتب بالموانئ، مما يؤدي لصعوبات في نقل السلع لداخل القبائل، وهو ما يتطلب قوات كبيرة لاحتلال البلاد؛ ولحد اليوم لم تقم إنجلترا بمحاولة بارزة لتحويل المغرب إلى مستعمرة. (ص: 142)
إذا وصلنا إلى فاس فإن أسوارها لن تصمد في وجه مدافعنا الحديثة، وسنتغلب على دفاعات المغاربة العتيقة غير المتجانسة التي ينقصها تقريبا كل شيء ويصعب عليها التموين، مدفعيتنا لن تلاقي صعوبات تذكر في صراعها ضد المدفعية المغربية لكن وضعية الأرض بعد مضيق تاملو تضع الكثير من العراقيل بالنسبة للتنقل.
سنلاقي مقاومة في مكناس العاصمة الثانية التي تبعد عن فاس مسيرة يومين، ويسكنها حوالي 20000 نسمة، أغلبهم عائلات عسكرية سكنت المدينة منذ القدم بالمدينة والنواحي المجاورة، إذا ذهبنا هناك سنلقى مقاومة حقيقية من السكان الجنود المقيمين، وإذا انتقلنا إلى منطقة المتوسط حيث السكان نصف خاضعين للسلطان ومتوحشون وفوضويون، ومن وقت لآخر يخرجون للقرصنة ويعتبرون السفن المارة قرب شواطئهم ملكا لهم فيأخذون ما عليها كعبيد، وهم يبحثون اليوم عن مكانة محترمة تحت ذرائع مختلفة. (ص: 114)
كما أن صاحب كتاب Le Maroc en face de l’Europe قال: على بعد ستة فراسخ من جبل طارق، و12 فرسخا من قادس، و25 فرسخا عن مالقا، يمتد ساحل الإمبراطورية الشريفة مكونا ساحلا جنوبيا للقناة التي تربط الأطلسي بالمتوسط، إنه حاجز مخيف لكل البحارة ولكل من غرق، وأكثر خطورة للذين ينزلون إلى الأرض لإنقاذ حيلتهم من هيجان البحر.
شاطئ همجي بربري مخيف لكل من اضطرته الرياح والعواصف للنزول به دون سلاح، لأنه إما أن يسلب أو يباع إن لم يقتل، ليس هناك دولة مسيحية لم تخض ملحمة دامية مع الإمبراطورية المغربية لترويضها، لا أحد من ساكنيها قريب من الحضارة، عاملان أديا إلى هذه النتيجة الحزينة: التعصب والجهل؛ همجية الشعب وسياسة إمبراطور المغرب المبنية على أساس الابتعاد عن إقامة أية علاقة مع الدول المسيحية، وهو ما سار يزعج أوربا.
أول ضغط مورس على المغرب جاء من الجانب الفرنسي في 1844، حيث لقن متعصبوه درسا قاسيا. (ص: 44)
أما جولي جرار فكتب يقول في كتابه L’Afrique du nord 1861:
المغرب متاخم لمستعمراتنا، وليس هناك ما يجعلنا نبقى على الحياد، هناك ما يقلق أوربا من التغيرات السياسية هناك، مما يعطينا الكثير من الحق للبحث فيما يجري لدى جيراننا ومراقبتهم لدفع أي خطر يهدد مصالحنا وامتيازات جميع الشعوب المسيحية؛ واجبنا رصد الخطر قبل أن يهاجمنا، كيفما كان الحال ما نحن متفقون عليه هو أن إمبراطور المغرب يجمع بين يديه السلطتين الزمنية والدينية، وهو ماهر في تحريك هذه الأخيرة، وجِد مؤثر في الشعب الذي هو جاهل ومتعصب ومن الصعب إخضاعه.
ليس هناك إمبراطور فكر في تنظيم جيش نظامي لحفظ الأمن في البلاد، الاحتياط الوحيد المقام للحفاظ على السلطة تحت حراسة بضعة آلاف من السود والخونة من كل الجنسيات، أي حراسة أجنبية ومختارة من بين رجال حقيري الأصل مزدرين.
سكان إفريقيا يجب أن يكونوا بالنسبة لنا أوتادا نافعة، الآن لا يظهر لنا إلا مسؤولون يتوفرون على بعض الصلابة، لكن ما دمنا لا نحقق لهم ما يطلبون فإن تعاونهم مشكوك فيه، فهم منقادون لأحاسيسهم الدينية يحتاجون للقوة من أجل تنفيذ قوانينهم التحكمية المتعسفة الظالمة بمنتهى القسوة على شعوبهم البئيسة، قبل أن تصل إلى نقطة أمكن لنا رؤيتها، والتي لا نقدر على إحصائها في عشرات المجلدات.
الكلمة الدالة هناك بدل كلمات الحكومة والإدارة هي ماذا يريد الإمبراطور، ماذا يريد الأمراء وإخوتهم وأولادهم، ماذا تريد الحكومة والقياد والقضاة لملء جيوبهم وبطونهم من قروض الشعب بكل الوسائل. لكي تربح قضية عادلة عليك إرشاء القاضي؛ إذا كان لديك حصان جيد أو بنت جميلة أو امرأة حسناء عليك إخفاؤهم وإلا انتزعوا منك.
الأمن الوحيد المتحقق بهذا البلد للأشخاص والممتلكات هو أن تكون فقيرا معدما أو تذهب للسكن بعيدا عن المدن لتنجو من السلب المنظم من قبل المسؤولين، يوم ستسقط كثير من الأشياء بالغرب سيبارك الشعب ذلك كيفما كانت اللغة والديانة التي ستقوم بذلك وتحمل له الخلاص.
إمبراطور المغرب يعرف كيف يحرك ويستخدم كره الأهالي للمسيحيين وازدراءهم، معتبرا ذلك النفور وقاية له، ومن أجل الوصول لهدفه يرتبط بالجماعات الدينية لتبرر سلوكه وبواعثه، سالكا مسلك أسلافه في جعل القبائل مستعدة للمقاومة في غياب جيش نظامي بيد أن المقاومة الشعبية لن تستمر طويلا ولن تكون جدية ولا طويلة، بيد أننا سنتواجه في مجال استثنائي يتطلب الكثير من أجل الغزو أكثر من الاحتلال.
وإذا كان جيشنا الإفريقي يستهين بذلك لكن في كم من الزمن والرجال والمال، فإذا أرادت فرنسا تكرار غزو مماثل للجزائر فيجب توافق السياسة والسلاح على الجبهة، وحتى لا تثير ملاحظاتنا السالفة استغرابا نوضح أن سلوك إمبراطور المغرب كان دائما معاديا للدول المتحضرة سواء كان عداء صريحا أو خفيا.
البرتغاليون فقدوا المراكز التي احتلوها في الساحل المغربي بعد توالي الهجمات التي لم تتوقف حتى انجلائهم النهائي، الإنجليز تخلوا عن طنجة لنفس السبب، الإسبان قاموا باقتحام قوي بعد فساد الصلح معه، فرنسا ترى حدودها تنتهك ومراكزها تهاجم ومعمروها يختفون، فلجأت لقوتها لإصلاح الوضع، فووجهت في معركة إسلي بولي عهد الإمبراطور يقود الجيش المحارب كما قاد أخوه جيشا آخر بتطوان ضد إسبانيا.
لقد أدرك الإسبان الذين احتلوا طنجة وتطوان أن قواتهم بمجرد ما تعود لقواعدها تهاجم مراكزها بدون انقطاع، ليس هناك أمن في هذه البلاد إلا باحتلالها بالكامل بعد طرد أعداء النصارى منها، بمعنى من هم في السلطة، فاستعراض تاريخ هذا البلد يبين لنا بأنه بلد خادع يمشي فيه الزيف والكبرياء في تكافؤ سيادي، حتى اللحظة التي يحتل فيها يخاف فيها المحتل على بقائه، فليس فيه صداقة أو إرادة للتعاون إلا ما دمت قادرا، لكن بمجرد ما تسوى الأشياء بالمفاوضات ينسى كل شيء.
نعتقد أنه من المستحيل إقامة وضعية عادية في المغرب مع أوربا قبل أن نفهم ما تم في الجزائر قبل غزوها، لن يكون هناك أمن تجاري على السواحل فالخطر يتهدد السفن التي ترسو في الساحل كيفما كان الميناء، شتم وسوء معاملة، ومنع للتوغل في الداخل، وازدراء للشعوب المسيحية من طرف الحاشية الحاكمة فضلا عن الشعب، تلك كانت وضعيتنا في الجزائر سنة 1829، وتلك هي وضعية الأوربيين بالمغرب اليوم.
فينبغي أن يحتل هذا البلد من قبل شعب متحضر ليتم استتباب الأمن المفقود في الساحل المحاذي للبحر الأبيض المتوسط قبل المحيط، وأيضا حتى لا يبقى هذا البلد مغلقا في وجه أوربا مثل سلسلة، هذا الغزو لن يكون نافعا فقط لأوربا بل يقدم امتيازات للأمة التي توصلت إلى هذه النهاية وحكمت هذا البلد بشكل سريع. (ص: 381 وما بعدها)
جاء في موضوع بعنوان “فرنسا في إفريقيا الشمالية” بمجلة:
Revue des deux mondes
لقد وجدنا في وجهنا سلطة مغربية في كل الصحراء الغربية، وحتى شمال مستعمراتنا الإفريقية كان بها تجار وموضوعات مغربية التقتنا خاصة ومنذ عهد قريب في جنوب النيجر والسنغال، حيث كان ممثل الحاكم سلطان المغرب يقوم بدور سيادي ديني بالنسبة لكل المسلمين بيضا وسودا في هذا الفضاء الشاسع، يبين مقدار الجهد والثمن الفرنسي المبذول من أجل البحث عن الوسائل الكفيلة بنشر الحضارة العصرية في تلك الربوع. (ص: 6)
إن الرأي العام الفرنسي ومن بينهم رجال الدولة الفرنسية يفضلون ترك الفتن تساعد على أن يخضع المغرب لفرنسا، المجازفون الجسورون سيفيقون على غزو يضع المغرب بين أيدينا كاملا، وسيخضع لنظام مخالف للذي بالجزائر، والآخرون الأكثر اطلاعا على الصعوبات المعقدة الشبيهة بإزالة الدنس لا يفكرون إلا في إقامة فرنسا بالمغرب في ظروف أكثر تشابها بالتي سلكتها إنجلترا بمصر.
نحن نقترح هنا بالبحث ليس فقط ما إذا كان هذا الأمل يمكن أن يؤسس على ما هو باطل، لكن إذا أرادت فرنسا الحصول على مصلحتنا حقا بشكل أو بآخر مسؤول مسؤولية حقيقية بالمغرب في حالة ما إذا تحققت، وليس طبعا ضم البلد لسلطتنا معنويا.
نريد أيضا معاينة الجزء الذي تريد فرنسا جره عبر تفاهمات الجزيرة بشكل لا يجعل المغرب تابعا للجزائر، وليس نظيرا لتونس يساعد على الانفتاح على نشاطنا والتوقف عن وضع العراقيل لتوسيع مشاريعنا في باقي إفريقيا الشمالية وإفريقيا الوسطى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *