بعد ثلاثة أشهر من انطلاق تطبيق الحماية لم تتوقف المقاومة عن مهاجمتها للقوات الغازية في طول البلاد وعرضها، وذلك ما سجلته التقارير الفرنسية والمراسلات الصحفية ومذكرات الضباط والجنود المشاركين في الغزو والإدارة بالمغرب المحتل.
وقد نشرت مجلة إفريقيا الفرنسية برنامج عمل الحماية في تثبيت التهدئة ومقاومة المغاربة بعد ثلاثة أشهر بقيادة ليوطي لغاية شهر يونيو 1912، كالتالي:
قامت الحماية باتخاذ ما يلزم من الإجراءات الملائمة للوضع الحالي للمناطق المحتلة بالمغرب بالاتفاق مع الحكومة الفرنسية من أجل إدخال الإصلاحات اللازمة بالقوة العسكرية في نواحي فاس ومكناس، وإعادة التوازن للوضع في جنوب المغرب عن طريق اختبار عملية سياسية شديدة الإحكام تطبق لاحقا في كل الإيالة، لمتابعة تنظيم المسؤولين المخزنيين وتنشيط التنمية الاقتصادية لمختلف النواحي، وهو ما شرع فيه منذ الشهر الأول لسريان الاتفاق.
ولغاية هذا الشهر تم ضمان حماية أمن فاس عن طريق تحركات الجنرال “كورو” وتغطية الخط الرابط بين النزالات بواسطة عمليات الجنرال “دالبيز”، وتمت إجراءات سياسية بناحية مراكش، وتنظيم العلاقة مع السلطة الشريفة لإعادة هيكلة السلطة الأهلية، حيث قرر ليوطي بعد شهر من دراسة الوضعية بالمغرب تنظيم إدارة المناطق المحتلة، وذلك بتحسين المواصلات بين وسط الإيالة والساحل الأطلسي.
تواصلت علاقات المقيم العام مع خليفة السلطان بفاس مولاي يوسف الذي تسلم بعض السلطات باسم أخيه السلطان في نفس الوقت الذي توبعت فيه عملية تنظيم المخزن تحت مراقبتنا لإدارة المصالح البلدية من غير مواجهة أو احتجاج حيث ساد الهدوء بعد حوادث ماي الأخير.
في أواخر الشهر قرئ داخل المساجد رسالة مولاي حفيظ يعلن فيها وصوله للرباط، فقام الأعيان بفاس بتهنئة الخليفة على سلامة وصول السلطان للرباط، كما زينت العاصمة بالأعلام ابتهاجا بالحدث.
في الثالث من يونيو 1912 شرع في إقامة الخط الحديدي بين الرباط ومهدية في اتجاه فاس، وفي بداية يوليوز بدأت دراسة إقامة خط حديدي بين طنجة وفاس، وكان من قبل قد تم إنشاء خط سكة حديد عسكرية بين الرباط والدار البيضاء.
للإشارة فنحن نعرف مدى درجة شعور الإحساس الديني الشعبي الإسلامي العالية، التي يترجمه الثوار في مقاومة قواتنا، كما نعرف التضحيات الألمانية المقدمة لهم لتنمية سلطتهم ضدنا، إضافة لسيطرة إسبانيا على الجريدة العربية الصادرة بطنجة (الحق)، وجعلتها تنشر مقالات ضد تواجدنا بالمغرب. (إفريقيا الفرنسية 1912؛ ص:302).
برقية من ليوطي لوزير الخارجية بوان كاري
(فاس في 14 يونيو 1912)؛ فيما يلي برقية من طرف ليوطي المقيم العام للجمهورية لبوان كاري وزير الشؤون الخارجية يوضح له فيها برنامجه العسكري والسياسي بالمغرب.
وفيما يلي الخطوط الكبرى للبرنامج الذي نقترح اتباعه لحد الآن:
1- تحديد حركتنا بدقة في النواحي المحتلة لكي يضمن بشكل مطلق أمنها أكثر من تنظيمها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، لقد توسعت عملياتنا في نواحي الشاوية وأطرافها ومنطقة الرباط فاس لغاية الحدود الإسبانية شمالا وفي الجنوب لغاية بلاد زيان.
2- الأخذ بعين الاعتبار مصالح القياد الكبار على الساحل وفي الجنوب وإعطائهم ما يرضيهم، وتأمين سلطتهم بالتعاون معنا وتحت حمايتنا، وذلك بالنسبة لكل من لكلاوي بمراكش، وأنافلوس بموكادور، وعيسى بن عمر في أسفي، مستعينا بقنصليينا “ميكري” و”مارك” اللذين أنجزا عملا ممتازا، كما سأتعامل بتحفظ مع منطقة زيان في الوسط، الممتنعة عن كل المقاييس العسكرية وأمنعها من مواصلة التحريض ضدنا أو الاقتراب من مناطقنا الخاضعة لسلطتنا، مع البحث عن وسائل الضغط غير المباشرة عليها.
3- فيما يتعلق بالنواحي المحتلة، أرى بأنه ليس هناك ما يجب تغييره، حيث أن كل شيء يسير بشكل حسن، فالجهود متواصلة في منطقتي الرباط وفاس من أجل تحقيق إبعاد شامل وبشكل نهائي كل ما يثير القلق والتمرد هناك، وترسيخ سلطتنا بانتظام يمكننا من إخلاء الجنود المرابطين في المحطات الطرقية ونقلهم لتخوم المناطق المعادية.
4- أما من جهة أخرى تم إعطاء حرية الإدارة السياسية والعسكرية للجنرال “كورو” لملاحقة تجمعات المعادين وتشتيتهم حتى لا يبقوا مشكلين تهديدا دائما ويوميا لفاس، نظرا لتوالي تجمعاتهم على الضفة اليمنى لسبو بعيدين عن العاصمة بأربع كلومترات، وكذلك الأمر بالنسبة لصفرو.
الظروف وحدها هي التي ستحدد زمان ومكان توقفهم، لكننا مع ذلك نواصل العمل الجاد للوصول للمبتغى، شريطة التعاون بين ضباط الاستعلامات والشخصيات الأهلية ورجال المخزن، وفي ذلك الأفق تم تنظيم المصلحة الصحية للأهالي.
5- من أجل إعادة الأمن لمنطقة بني امطير وزمور تم تغطية المحيط الجنوبي لها بخط من النزالات محمية بجنودنا من غير أن يخترقوا بلاد زيان وذلك في زمن قياسي، مع ربطها بمركز القوات المتحركة التي ستقدم لأي مركز الدعم المطلوب عند الحاجة، وإلغاء مركز تافوديت، وتخفيض عدد القوات المتمركزة في الحاجب وأكوراي، لتصبحا فقط نقطا للدعم، ومستودعات للتموين، ثابتة محمية من قبل وحدات صغيرة مزودة بالمدفعية التي طلبتها.
6- الجنرال “موانيي” ضَمن تنفيذ هذا البرنامج.
7- وراء هذه التغطية سيتم تشكيل وتنصيب المسؤولين المحليين ورجال المخزن من جديد بأقصى ما يمكن من السرعة.
8- أشعر بأنه ليس هناك فعالية لا يمكن عملها على المستوى الإداري والاقتصادي ما دامت هذه الإمكانيات الأولية للأمن لم تتحقق بعد، ومن جهة أخرى في فاس نفسها التي تعتبر مهد المسألة المغربية سأبقى مع “كيار” ما يلزم من الوقت من أجل وضع قطار البرنامج على السكة تاركا للجنرال “موانيي” كل المستويات الأخرى كالتصرف بحرية في تنقيل وحدات القوات عند الضرورة للجهة المطلوب تواجدها بها.
وقد تبادلت الحديث مع السيد “سان أولير” لدى قدومه، ووجهات النظر حول المسألة الدبلوماسية والاقتصادية الراهنة في المناطق الساحلية، وكذلك حركة السلطان الخاصة.
لقد تصرفت بنفس الطريقة في الإدارة المالية والأشغال العمومية، ويحتمل أن أبقى في الدفع نحو الرباط سريعا.
9- سأنتظر من سيادتكم بأن تبعثوا لي كل الملاحظات التي تبدو لك حول البرنامج لتطبيقها على الوجه الأمثل “archeves diplomatique t 122L1912”.
معاهدة فاس
معاهدة فاس التي وقعت في 30 مارس 1912:
شكلت معاهدة الحماية الموقعة بفاس سنة 1912 مرحلة كنا نهيء لفتحها من الوهلة الأولى منذ سنة 1896 من أجل القيام بمهام المغرب، والذي انطلقت بتحقيق الاتفاق الفرنسي الإنجليزي في أفريل 1904، ومع الحماية هذه التي حصلنا عليها من قبل بعثة “رونو” لفاس، بالرغم من قصرها وقلة بنودها فقد تركت لنا بالمغرب حرية الحركة المطلوبة.
الفصل الخامس أعطى للمقيم العام حق الوساطة المطلوبة بين الحكومة المغربية وممثلي الدول الأجنبية بشكل واسع يتيح لدبلوماسيتنا عمل ما نريد.
الفصل السادس من حسن الحظ أن هذا الفصل فصل متمم للفصل السابق، وإن كنا نخشى الميل في تنفيذه في اتجاه القول نتيجة عدم تقدير بأن علاقتنا مع المخزن بها شروط أكثر تفصيلا.
الفصل الأول والثاني يتيح لنا ما فيه من بياض، مَوقِعا يمكن لأحد المسؤولين بالمغرب ترجمة (الإصلاح) في (حكومة الجمهورية الفرنسية وجلالة السلطان متفقان على إقامة)، والأخرى التي تقول السلطان (يوافق من الآن) على احتلالنا عسكريا، أي ناحية نريد (بعد إخبار المخزن).
نحن نرى بأننا لا نلتمس بعد كل مرحلة من مهمتنا قبول المخزن، مما يستشف منه أننا سنؤدي للسلطان كل مرة للحصول على موافقته ورضاه.
الفصل السادس بالنسبة لنا يضمن كل نقطة سبق لنا احتلالها، وقد سبق أن قلنا في عدة مقابلات بأن أكبر خطإ تجنباه بالمغرب هو اعتماد شكل للهندام سواء للأفراد أو القبائل المتنوعة (لأنه فقط تعبير جغرافي) الذي هو المغرب.
نحن اليوم نقدم لقبائل المغرب المشتتة عبر سلطتنا وحدة أهلية ستعود ضدنا لاحقا، فمصلحة الجماعات البربرية الفردانية عائق في طريقنا لكن يجب علينا مراقبتها بعد التوحيد الذي نسعى له وفق مصالح العقلية الفرنسية.
نحن متحققون من كون الفصل الخامس ترك لحركتنا كل السلاسة المرادة من أجل التأقلم مع كل الأوضاع المحلية، ممثلو السلطة المتوقعون من قبل السلطان سيسمحون لنا بالقيام بعمل المخزن داخل النواحي التي لا نحكمها بشكل مباشر، عندما تبادلنا الاتفاق انتظر السلطان تأمين الحماية له ولخليفته من خلال المعاهدة ودعم الحكومة الفرنسية، هذه الحماية متمثلة في لائحة مدنية ذهبية تجعلنا نعطي للسلطان كل ما يريده بالمجان هو ومخزنه الفاقد للثقة وغير المنظم والضعيف، والذي كان مثار انتقاد منا منذ سنة 1911.
السلطان لم يبق في الملك إلا بفضلنا، من أجل نفس الأسباب، وعندما عرف أن معاهدة فاس متعذرة بشروطه ثابر على ألا نقدم للمغرب قوة ذات قيمة، ومن أجل التغطية على حركتنا في المغرب أمام أنظار الدول الكبرى قلنا بأن حركتنا بالمغرب يقصد منها استرداد الدين الذي تمتع به السلطان من غير أن نزيل سلطته على الأهالي الذي يحرضهم على عدم القبول بنا وبإصلاحاتنا التي ينظر لها بكثير من الريبة بعدما كان الكل ينتظرها، كالسكة الحديدية، وتخفيض الضرائب، ورفع تعسفات رجال المخزن.
لقد كان الاتفاق الألماني الفرنسي من أسباب تذمر السلطان واضطراب مواقفه، فعمل على عرقلة إنجاز معاهدة الحماية وخاصة بعما لم ير لائحته المدنية، مما دفع به أن يشجع سكان فاس ورجال القبائل على الثورة والوقوف في وجه قواتنا، معلنا أنه سيتنازل عن العرش مما يثير البلاد ضدنا، بيد أن عمل البعثة الفرنسية بفاس برئاسة “رونو” والحزم الذي أظهره بعد التفاهم مع ممثلي السلطان على مطلبه وتلبيتها جعله يذعن في الأخير لما كنا نريده منه”
(روبير دوكيكس؛ إفريقيا الفرنسية 1912 ؛ص:122).