ديوان خطب الجمعة من إنشاء العلامة الأديب محمد بوخبزة الحسني حفظه الله إعداد: يونس السباح الطنجي النصيحة وأهميتها في الدين

الحمد لله الذي جعل الدين النّصيحة، وأرسى بها قواعده الصحيحة، وهو الحكيم العليم.
نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، شهادة تكون لنا وسيلة للفلاح، وعنواناً على الاستقامة والصَّلاح، اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمد مصلح النّاس الخير، والناصح الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن والاهم إلى يوم الدين.
من يطع الله ورسوله…
أمّا بعد فإن أحسن الحديث كتاب الله… في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنّصح لكلّ مسلم).
وروى مسلم في صحيحه عن تميم الداري رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النّصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم).
أيها الإخوان المسلمون: النصيحة كلمة جامعة لأشتات الخير، ووجوه النفع، وأسباب السلامة، ووسائل الفلاح، وعوامل الصلاح، ولا يمكن أن يعبر عن معناها بكلمة واحدة غيرها، تجمع مقاصدها، وتضم أهدافها.
والنُّصح ضدّ الغش، وهو يرجع في معناه اللغوي إلى الصّفاء، فالنّصح صفاء، وطهارة، وإخلاص. والغشّ كدر، وخداع، وخيانة، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على التّمسك بالنّصح، والمحافظة عليه، والقيام بواجبه، لأنه رأس الأمر، وقاعدته، وروحه.
وسمَّاه ديناً فقال: (الدين النصيحة). بمعنى؛ أنّ روح الدين ومعناه كامن وموجود في النصيحة، فإذا وُجدت، وجد الدين، وإذا فُقدت، فقد الدين.
والنصيحة يجب أن تكون عامة لكل مسلم، لا فرق بين كبير وصغير، وغني وفقير، وعظيم وصغير، وسيّد ومسود، لأنها إذا قصُرت على بعض الطَّبقات دون بعض، اختل النظام، وتسرب الفساد إلى الناس، فهلكوا جميعا.
وقد يتساءل بعض الناس عن معنى النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، لأن المعنى الظاهر من النصيحة لله محال لكمال الله سبحانه واستغنائه، وكذلك لا يَظهر معنى النّصح للكتاب والرسول.
وللعلماء في شرح الحديث مسلك واضح مؤيّد. فقد اتفقوا على أنّ معنى النصيحة لله تعالى هي كنصرته سبحانه، المشار إليها بقوله: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). وهي تكون بالإيمان بوجوده، والاعتصام بتوحيده، ونفي الشريك عنه، وبوصفه بصفات الكمال، والجمال، والجلال، وتنزيهه عن صفات النقص، وسمات الحدوث، والحرص على عبادته، وإتيان محابه، والأنس بذكره، واجتناب مناهيه.
وبالاختصار، فالنصيحة لله هي بتصحيح الإيمان به؛ بالعلم والتقوى، والنصيحة لكتاب الله تكون بالإيمان بأنه كلام الله القديم، منه بدأ وإليه يعود، وبتعظيمه وتقديسه، وإكباره وتقديمه، وعدم التقدم بين يديه، وبالاعتبار بمواعظه، والتدبّر في عجائبه، والاعتناء بقصصه الحقّ، وتحكيم حكمه، والإيمان بمتشابهه، مع رد علمه إلى الله تعالى، والدفاع عن حرمته، وتنزيهه عن تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، ومطاعن الملحدين، فمن ترك شيئاً من هذا فهوغير ناصح لكتاب الله.
أما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي الإيمان به، والجزم برسالته، والاعتقاد بصدق جميع ما جاء به، وتحكيمه، والمحاكمة إليه، في كل شجار وخصام، مع غاية التسليم له، وسلامة النفس من الحرج من قضائه، وخلو الصدر من الضيق بحكمه، وتقديم حبه على النفس، والأهل، والولد، والناس أجمعين، ومعاداة أعدائه، ومحبة أوليائه، وقصد ملَّته، والدعوة إلى شريعته، ونشر دعوته، وإحياء سنته، وحب آل بيته، وصحابته، ومن أخل بشيء من هذه الأمور، وقع الخلل في إيمانه به، وفرّط في واجب النّصيحة له.
والنصيحة لأئمة المسلمين، وهم الأمراء، والرؤساء، والعلماء، فتكون بحبهم، وطاعتهم في المعروف، والجهاد معهم، وبذل الجهد في إرشادهم، ومساعدتهم على المعروف، والصلاة خلفهم، والدعاء الصالح لهم، وأداء الحقوق إليهم، وتأييدهم في الحق.
والنصيحة للعلماء بتعظيمهم، وتوقيرهم، وقبول إرشادهم، وإحسان الظَّن بهم، ومساعدتهم على مهمة التبليغ والبيان، والقيام بشؤونهم، وعدم تضييع حقوقهم، ومن لم يقم بهذا يعد غير ناصح لهم، ومضيعاً لواجب النصيحة لهم.
أما النّصيحة لعامة المسلمين فتكون بعدم غشهم، والأخذ بيدهم إلى ما فيه صلاحهم، وفلاحهم، وذلك بإرشادهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وجلب النافع لهم، ودفع الضار عنهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، والإحسان إليهم، والرفق بهم، فمن تقاعد من أولياء أمورهم عن القيام بجميع ما ذكرنا، فهو خائن لهم، غير ناصح لهم.
أيها المسلمون هذا حديث النصيحة في الإسلام، وهي كما سمعتم، مجمع الفضائل والخيرات، ومنبع الأسرار والكمالات، والأمة إذا فقدت التناصح، وتباعدت طبقاتها، وفشت فيهم الأثرة، والأنانية، وحب الذات، والحرص على النفع الخاص، انعدم من بين أفرادها الحب والإخلاص، والتعاطف والتناصر، وانتشرت بينهم أضداد هذه الخصال؛ من البغض والكراهية، والخيانة، والغدر، والتدابر، والتخاذل.
وهذه الأمراض إذا تركت، فتكت بالأمة فتكاً ذريعاً، وقوضت أركانها، وأتت على مقوماتها، لذلك كان الدين كلّه في النصيحة، فاحرص يا أخي وفقني الله وإياك على هذا الواجب العيني، وعَضَّ عليه بنواجدك، وبادر من الآن إلى تجديد نصحك لله سبحانه؛ بتجديد توحيدك، وتخليصه من شوائب الشرك، وتحصين عقيدتك بالشرع، حتى لا يتسرب الشكّ إليها، فتكون من الخاسرين، والتفت إلى كتاب الله – وها هوبين يديك- واعلم أنّه حبل الله الممدود إلينا، فاعطه حقه من التقديس والتدبر، والتّفقّه، فإنه الشفاء والعصمة، والحصن المانع من الزيغ والنقمة، وهذا رسول الله سيد ولد آدم وأكرم الخلق على الله، والواسطة بين الحق والخلق، فأوله ما يجب له من الحب والتعظيم البرئ من الغلو، واعتصم بسنته، وتفقه من شريعته، فإنها الهدى والنور، والبيان لكتاب الله، ثم ابذل وسعك في نصيحة أولي الأمر، ادع لهم ما استطعت، والزم طاعتهم، وإياك والخروج عنهم، إلاّ أن ترى كفراً بواحاً ظاهراً عندك من الله، فيه برهان كما في الحديث الشريف.
وأخيرًا، فهؤلاء إخواننا المسلمون، وجيراننا، وأنت بين أكثرهم، ومن لم يهتم بأمورهم فليس منهم، فتودد إليهم، واسع في أفضل الخير لهم، وابذل جهدك في إرشادهم، واحذر أن تغشهم، أو تغدر بهم، أو تسيء إليهم، فإنّك إن فعلت أسأت إلى نفسك، وسودت صحيفتك، فإنك منهم وإليهم، والمرء كثير بأخيه، والله يقول: (إنما المومنون إخوة)، والنصيحة تفرض عليك ذلك، فاستعن بالله، والله يتولى توفيقنا جميعا، ويحفظنا من الزيغ والضلال، ويأخذُ بيدنا إلى رحاب الفضل والخير والكمال، وهو حسبنا وعليه توكلنا، ولا حول ولا قوة لنا إلاّ به، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *