اللغة العربية والمراهق محمد حماني

قد يبدو العنوان أعلاه عنوانا عجيبا وغريبا؛ وقد يقال: أي علاقة بين اللغة العربية، والمراهق؛ ولكن دعنا أخي القارئ أن نطرح معك أسئلة وجيهة قد ينكشف بها الغامض، ويتضح بها المبهم، فنقول: هل مادة اللغة العربية بمكوناتها (مكون النصوص، الدرس اللغوي، التعبير والإنشاء)، قادرة أن تلبي حاجيات مراهق اليوم -خصوصا- في ظل عالم تحوطه التكنولوجيا الحديثة من كل جانب؟
وما دور اللغة العربية في ترشيد مرحلة المراهقة واستثمارها؛ بحكم أن المراهقة مرحلة نشوء كفاءات وملكات عقلية لم تعرفها الطفولة؟
ثم كيف يمكن لأستاذ اللغة العربية أن يوظف عدة مداخل تربوية وبيداغوجيا من أجل نقل ديداكتيكي لمعرفة أكاديمية عَالِمَةٍ إلى معرفة مدرسية، ويستطيع أن يقربها بشكل جيد إلى “المتعلم المراهق” رغم العوائق النفسية والاجتماعية والبيداغوجيا، والإبستمولوجيا..؟
كل هاته الأسئلة تفتقر لإجابة -ولو بشكل مختصر وبسيط- وعليه ينبغي أن نشير إلى أن البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية بالتعليم الثانوي التأهيلي تنص على أن المتعلم في نهاية مرحلة التعليم الثانوي التأهيلي يجب أن يكون:
 مكتسبا لقدرات تواصلية ثقافية ومنهجية تمكنه من التواصل باللغة العربية شفهيا وكتابيا.
 قادرا على المساهمة في تدبير محيطه وتنميته.
 قادرا على معرفة ذاته والتعبير عنها.
 متمكنا من تعديل سلوكاته واتجاهاته وبلورة مشاريعه.
 متمكنا من البرهنة وتنظيم العمل والبحث المنهجي.
 قادرا على التعلم الذاتي والتكيف.
طبعا لا يمكن تحقيق بعض من هذه الأهداف والتوجهات العامة في منهاج اللغة العربية إلا بإرادة أستاذ اللغة العربية، وباستثماره لمكونات هذه المادة من أجل بناء شخصية المراهق وجعله عنصرا فاعلا وفعّالا في محيطه، ومجتمعه.
أولا: لماذا المراهق؟
تعد فترة المراهقة من أصعب وأخطر المراحل العمرية التي تحدث عنها علماء النفس، بحيث إن المراهقة تعرف تغيرات عصبية وبيولوجيا، وهي كذلك مرحلة البحث عن الذات؛ لذلك تحتاج إلى يقظة من لدن الآباء والمربين والأساتذة، وكذا المجتمع المدني بإيجاد فضاءات تحتضن المراهق وتشبع رغباته وتؤطر تطلعاته الذاتية من إبداعات حتى لا ينصرف إلى أماكن أخرى قد لا تفيده في بناء ذاته ومستقبله.
تقول الباحثة نزها الخوري: “في فترة المراهقة يتكون التفكير في سياقه الشكلي الصريح شيئا فشيئا؛ ويتدعم الحكم. ويرتقي المراهق إلى مرتبة ذهنية، تتيح له أن يمارس العمليات العقلية التي يختص بها، غير أنه تعوزه الخبرة ورسوخ القدم، فهو لهذا السبب قد لا يفلح في إنجاز بعض المشروعات والمحاولات التي يرسمها لنفسه فيبدأ بتنفيذها. وهذا ما يجعله في مسيس الحاجة إلى التشجيع، وإلى الدعم المعنوي أو الأدبي”.(1)
لقد أوضحت الاكتشافات الحديثة في المجال التربوي منظورا جديدا حول دور التعليم الثانوي التأهيلي، حيث إن المراهق ليس طفلا كبيرا يسعى إلى أن يكون بالغا، أو بالغا لديه دماغ أصغر من سنه! إنما هو في الحقيقة شخصية تجمع اهتمامات وتوقعات شتى تظهر في قاعة الدراسة.
ثانيا: المراهق، وعوائق التعلم
بعض من المتعلمين المراهقين لهم تمثلات خاطئة عن مادة اللغة العربية فيصادفون بذلك جملة من الصعوبات التي تعوق مسارهم المعرفي وسيرورة تعلمهم نحو هذه المادة، وتنقسم هذه العوائق إلى:
 عوائق اجتماعية: تتمثل على الخصوص في الثقافة السائدة داخل المجتمع، وثقافة تؤطر أفكار المراهق، وتوجهاته من خلال وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع الأخرى، وهي تؤثر بشكل أو بآخر على المراهق، ويمكن أن نضيف عائقا آخر إلى العائق الاجتماعي، هو البعد السياسي والحملة المسعورة على اللغة العربية!
 عوائق فيزيولوجيا أو عضوية: وهي عوائق نفسية مرتبطة بالخصائص الفيزيولوجيا للمراهق والتربية النفسية.
 عوائق بيداغوجيا وديداكتيكيا: ترتبط بنوعية المشروع التعليمي والطريقة التي يعتمدها المدرس وذلك على مستوى مختلف المكونات البيداغوجيا المتداخلة في النشاط التعليمي.
 عوائق إبستمولوجيا: وهذه العوائق ترجع إلى طبيعة المادة نفسها وهو أمر معرفي إبستمولوجي، وأقصد المنهاج الدراسي الذي يتشكل من التوجهات، والبرامج، والكتاب، لا اللغة العربية نفسها؛ لأن المعرفة عندما يتم نقلها ديداكتيكيا تفقد كثيرا من خصوصيتها، وربما يتم إفراغها من محتواها؛ فأحيانا يكون هذا النقل عائقا أمام التعلم؛ لأننا ينبغي أن نميز في هذا الإطار بين عدة معارف:
• المعرفة المتخصصة: الكتب، والأبحاث العلمية والأكاديمية التي يرجع إليها الأستاذ في تحضيره للدرس، وتوسيع معارفه.
• المعرفة المحولة لفائدة التعلم: المناهج والمقررات والتوجيهات، والكتب المدرسية.
• المعرفة التي تدرس في القسم: محتويات وأنشطة الدروس المنجزة في الفصل الدراسي.
• المعرفة المكتسبة: إنجازات التلاميذ واستثمارهم للمعرفة المدرسية في وضعيات تواصلية مختلفة.
ثالثا: اللغة العربية والمراهق، وسؤال القيم
يعتبر المدخل على القيم من المداخل الأساس التي ينبني عليها المنهاج الدراسي للغة العربية؛ بل المدخل الأول قبل أي مدخل آخر، وعلى واضعي الكتب أن يأخذوا بعين الاعتبار هذا الجانب ويعطوه المكانة التي يستحقها من أجل ترسيخ القيم الجديدة التي يعرفها المجتمع، بالرغم من أن هناك قيما كونية لا تتغير، وفي مقابل ذلك أن الحياة تتطور وتعرف قيما جديدة؛ لذلك يحتاج المنهاج إلى تجديد وإصلاح وتغيير ما يمكن تغييره، والمتصفح للكتب المدرسية يكاد يجد غيابا للنصوص التي تدعو إلى القيم السمحة التي يجب أن يتحلى بها “المتعلم المراهق” حتى تحصنه من الأفكار المتطرفة التي تعصف بشخصية الغضة.
كما أن الفعل التربوي المغربي بحاجة إلى كتب مدرسية مختلفة تراعي الاختلاف والتنوع الثقافي، وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الثقافية لكل منطقة من أن تحقيق التوازن الثقافي بين جميع المناطق. وأرى أنه حان الوقت لإدراج نصوص من الأدب الإسلامي في الكتب المدرسية، والابتعاد ما أمكن عن النصوص التي تزرع الحداثة المنحرفة؛ لأن الحداثة حداثات، وليست شَرْجاً واحدا؛ وفي الأدب الإسلامي نصوص رائعة تفي بغرس قيم الوسطية والاعتدال، وفي النصوص النقدية الإسلامية القائمة على المضمون الإسلامي والجامعة بين الرسالية والجمالية ما يحصن ثقافة المراهق.

رابعا: هل استفاد أستاذ اللغة العربية من العلوم العصبية والمعرفية؟
كشفت العلوم العصبية جهل العملية التربوية بكيفية اشتغال الدماغ؛ وبناءً على نتائج الأبحاث في العلوم العصبية، فقد توصلت إلى خمسة مبادئ أساسية لتسهيل العملية التعليمية التعلمية:
1. تركيز انتباه المتعلمين على الأساس والجوهري عن طريق:
– تجنب الإكثار من المعلومات الزائدة وغير الضرورية.
– تنويع طرق التعلم لجذب انتباه المتعلمين.
2. تكرار المعلومة؛ كي تترسخ جيدا في الذاكرة.
3. تنشيط وتحريك المتعلمين بهدف وضع دماغهم في استعداد.
4. تيسير وتشجيع الإثارة المتعددة الحواس (الذكاءات المتعددة).
5. تفضيل البصر على كل الحواس (أغلب المتعلمين لهم ذاكرة بصرية، أكثر من 60% من المجتمع العالمي له سيادة البصر “صورة أحسن من ألف كلمة”).
إن الفهم الجيد لكيفية اشتغال الدماغ أمر هام بالنسبة للفعل التربوي، يقول أحد الباحثين في العلوم المعرفية: “إن الكشف عن استراتيجيات اشتغال الذاكرة، سيفضي حتما إلى فهم آليات التعلم، ومنه إلى تطوير العملية التعليمية وتيسير طرائق التعلم وأساليبه، على اعتبار أن استراتيجيات اشتغال الذاكرة هي نفسها استراتيجيات التعلم. من ثم، فإن نجاعة العملية التربوية، يلزم أن تتأسس تحديدا على فهم بنيات الذاكرة وآليات اشتغالها”(2).
خامسا: اللغة العربية، والذكاءات المتعددة لدى المراهق
يتطلب من أستاذ اللغة العربية أن يفتح أمام تلامذته آفاقا واسعة لاستثمار قدراتهم في التفكير الإبداعي الكفيل بحل المشكلات التي تواجههم والتغلب عليها. فلكل تلميذ طريقته في التعلم تبعا لنوع ذكائه؛ ولذلك فأستاذ اللغة العربية بحاجة إلى معرفة نوع الذكاء الذي يختص به كل تلميذ، من خلال الأنشطة الفعالة التي يبديها. حيث إن كل ذكاء يكسب صاحبه كفاءة معينة يجعله يتعلم باستثمارها.
ويعد الأمريكي “هاورد كاردنر” أول من وضع نظرية الذكاءات المتعددة، وذلك بعد أن أدرك عدم كفاية التصور الأحادي للذكاء، كما وكيفا، وتهتم هذه النظرية بكل الذكاءات والقدرات لدى التلميذ ومن شأنها أن تحسن من مستوى العملية التعليمية التعلمية من خلال:
• توظيف الذكاءات التي تميز كل متعلم (الذكاء اللغوي، الذكاء المنطقي الرياضي، الذكاء الطبيعي، الذكاء الموسيقي، الذكاء الحس- حركي، الذكاء الفضائي، والذكاء الذاتي، والذكاء الاجتماعي).
• استثمار اللعب في العملية التعلمية (خاصة في التعليم الأولي).
• توفير محيط تعلمي عائلي تسوده الثقة.
والبيداغوجيا الفارقية تؤمن بوجود مجموعة من المتعلمين يختلفون في قدراتهم العقلية والذكائية والمعرفية والذهنية، والميولات الوجدانية، والتوجهات الحسية الحركية، على الرغم من وجود مدرس واحد داخل فصل واحد؛ لذلك فأستاذ اللغة العربية يجب أن يتنبه إلى هذه الفوارق ويشتغل على الحد منها بإيجاد حلول بيداغوجيا وديداكتيكيا.
فهناك من المراهقين من يتمتع بالذكاء اللغوي، فهذا الصنف محتاج إلى أنشطة بيداغوجيا: (عروض، مناقشات، إنشاء، قراءات…) فيقوم أستاذ اللغة العربية بزيارة إلى مكتبة الثانوية للاطلاع على كتب، والاستماع إلى أشرطة؛ لأن هؤلاء المراهقين لهم القدرة على إنتاج بناءات نحوية وصرفية وتركيبية، ويقع هذا الذكاء اللغوي في الفصوص الصدغية والجبهة اليسرى للدماغ البشري في منطقة “دروكا” ومنطقة “فرنيك”.
..كما يجب أن نشير إلى أن النص الحجاجي له أهميته في بناء شخصية المراهق إذا ما تم استثماره؛ فالبعد الحجاجي يمكّن المراهق من الأساليب التي من خلالها يخضع الأفكار للنقاش والتحليل، وتجعله يحكم منطق العقل لتمحيص الأفكار قبل استهلاكها حيث إن “الإنسان حجاجي بطبعه يحيا بالحوار والحجاج وداخل الحوار والحجاج، إنه كائن حواري حجاجي.. فالحجاج في اللغة نجده في كلام الإنسان اليومي وفي حواراته العادية مع أصدقائه وزملائه وأفراد عائلته وكل الذين يتعاملون معه نجده في مناقشاته ومجالاته ونجد هذا الحجاج في كل أنماط الخطاب: الخطاب الديني والقانوني والسياسي والإعلامي والإشهاري والاقتصادي والعلمي والأدبي”(3).
والنص الحجاجي يختلف عن النصوص الأخرى بعدة خصائص (القصد المعلن، التناغم، الاستدلال، البرهنة)، تقول الباحثة التونسية سامية الدريدي عن مفهوم النص الحجاجي: “هذا الصنف من النصوص يختلف عما سواه من جهة هدفه الذي يمكن اعتباره دون ريب برهانيا فإذا كان قصده معلنا واستدلاله واضحا وأفكاره مترابطة فلأنه يحرص كل الحرص على الإقناع: إقناع المتلقي بوجهة نظره أو طرقته في تناول الأشياء”.(4)
فاللغة العربية، إذن، يجب أن تستحضر كل هذه الذكاءات من أجل تكييفها مع مكوناتها في بناء شخصية المراهق، يقول “توماس أرمسترونج”: “إن نظرية الذكاءات المتعددة تحيط أساسا بما يقوم به الأساتذة المخلصون عادة في تعليمهم، إنه عمل يتجاوز حدود النص والسبورة إلى تنوير عقول التلاميذ”.
إنه بقدر ما يغذي الأستاذ درسه بإدراج عدة ذكاءات، بقدر ما يساعده ذلك على شد انتباه المتعلمين ولا يستصعبون الدرس مادام الأستاذ قد وظف فيه مجموعة مداخل لبناء المعرفة؛ لأن البيداغوجيات الحديثة أصبحت تنادي بإشراك المتعلم في بناء الدرس، بل صار المتعلم مهدا للعملية التعليمية التعلمية، وانتقل الأستاذ من مالك للمعرفة إلى منشط لها؛ وهذا يتطلب منه مجهودا أكبر وحرصا أفضل، وانتقلنا من التعليم إلى التعلم.
كما أن أستاذ اللغة العربية مطالب بأن يستثمر كل الوسائل التكنولوجيا المتاحة والانفتاح على النصوص الرقمية؛ لأن آليات التلقي تختلف في الأدب التفاعلي داخل الشابكة العنكبوتية.
يعتبر التكوين البيداغوجي والتربوي لأستاذ اللغة العربية مطلبا ملحا وضرورة عصرية بهدف تأهيله للقيام بالمهام التربوية والتعليمية على أحسن وجه وتفعيل وتطوير مردوديته في مجال التدريس وتمكينه من الأدوات الضرورية لمسايرة التغيرات التي تعرفها المدرسة الجديدة بحكمة وتبصر.
ـــــــــــــــــــــــــ
1. أثر التلفزيون في تربية المراهقين/ دار الفكر اللبناني، الطبعة الأولى، 1797، ص: 66.
2. الجريدة التربوية، ع: 57، س: 2014، ص:12.
3. مجلة طنجة الأدبية، ع:56، س: 2015/ ملف حول” الحجاج اللغوي عند الدكتور أبي بكر العزاوي”، ص:12.
4. الحجاج في الشعر العربي القديم (من الجاهلية إلى القرن الثاني الهجري) بنيته وأساليبه، إربد: عالم الكتب الحديث، الطبعة الأولى 2008، ص:25.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *