على إثر الجدل المثار حول درس “الإيمان والفلسفة”، وما عرفه ذلك من إصدار عدة بيانات من جمعية أساتذة الفلسفة أو توضيح وزارة التربية الوطنية، وتصريح رئيس الحكومة في الموضوع، وما تلى ذلك من توصية عمر عزيمان بضرورة تعزيز مكانة مادة الفلسفة في المنظومة التربوية.
يخرج علينا اليوم مجموعة من العلمانيين المتطرفين الذين يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان، أصحاب المواقف المعادية لكل ما هو إسلامي في الشأن العام تسييرا أو مظهرا، ليطالبوا (وجاو ملخر) بإلغاء التعليم العتيق في المغرب.
فقد دعت جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان التي يترأسها العلماني ذي المواقف المتطرفة الحبيب حاجي، ومؤسسة آيت الجيد بنعيسى للحياة ومناهضة العنف، إلى إبعاد المؤسسات الدينية “المتزمتة” (حسب تعبيرهم) من برمجة الدروس الدينية في الكتب المدرسية، بل ورفعت المؤسستان اللتان تدعيان الدفاع عن حقوق الإنسان ومناهضة العنف سقف مطالبهما وذلك بالدعوة إلى إلغاء “التعليم العتيق”.
وحسب ما أوردته يومية “آخر ساعة”، فإن البلاغ دعا إلى وضع خطة عاجلة لـ”إلغاء ما يسمى بالتعليم العتيق الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي يشكل في جزء كبير منه مزودا للفكر المتطرف المعادي للإسلام كما عرفه وتمثله المغاربة الذي يعتبر أحد مكونات الاستقرار”.
إن الأغرب من طلب إلغاء التعليم العتيق هو ما تم التعليل به، بكون هذا التعليم “يشكل في جزء كبير منه مزودا للفكر المتطرف المعادي للإسلام..”، مع أن العقلاء مجمعون على أن التعليم العتيق (الديني) في المغرب هو أهم محصن لأفراد الأمة من الانجرار وراء أي فكر متطرف أو فكر مادي لاديني، وأن ضعف التكوين الشرعي أحد أوجه استغلال الشباب المتحمس من قبل الخطاب التكفيري المتطرف.
ثم لنا أن نتساءل: من أين لهؤلاء العلمانيين أن يعرفوا قيمة أو خطر التعليم العتيق، وهو التعليم الذي يشكل مكونا كبيرا من المنظومة التعليمية والتربوية في المغرب، وهو التعليم الأول والأصلي في المغرب قبل المدرسة الحديثة، سوى أن يعترفوا وهم مؤهلون لذلك بأن التعليم العتيق (الديني) خطر على المنظومة العلمانية القيمية والفكرية، لأنها تناقض المنظومة القيمية والفكرية وحتى التشريعية في الإسلام.
يذكر أن مطالب العلمانيين المعادين للتعليم الديني في المغرب بدأت بالدعوة إلى تقليص ساعات مادة التربية الإسلامية، ومسخ موادها من خلال جعلها تتماشى مع منظومة القيم الغربية، ثم المطالبة بإلغاء تدريسها باعتبار أنها ينبغي أن تدرس فقط للمتخصصين، وها نحن اليوم نعيش طورا جديدا في المطالبة بإلغاء التعليم العتيق الذي له امتداد في التاريخ زمن قيام الدولة الإسلامية في المغرب، وللمغرب فيه باع كبير منذ تأسيس جامعة القرويين.
كما يشار إلى أنه “جاء في المادة 88 من الميثاق الوطني التربية والتكوين:
– ” تحدث مدارس نظامية للتعليم الأصيل من المدرسة الأولية إلى التعليم الثانوي مع العناية بالكتاتيب والمدارس العتيقة وتطويرها وإيجاد جسور لها مع مؤسسات التعليم العام.
– تنشأ مراكز متوسطة لتكوين القيمين الدينيين، وتراجع التخصصات بناء على المتطلبات الآنية والمستقبلية؛
ومن مواد هذا القانون:
المــــادة 1
يهدف التعليم العتيق إلى تمكين التلاميذ والطلبة المستفيدين منه من إتقان حفظ القرآن الكريم واكتساب العلوم الشرعية، والإلمام بمبادئ العلوم الحديثة، وتنمية معلوماتهم ومعارفهم في مجال الثقافة الإسلامية وضمان تفتحهم على العلوم والثقافات الأخرى في ظل مبادئ وقيم الإسلام السمحة.
ويلقن التعليم العتيق بالكتاتيب القرآنية والمدارس العتيقة وبمؤسسات التعليم النهائي العتيق بما فيها جامع القرويين والجوامع الأخرى وفق الأنماط العتيقة، مع مراعاة القوانين والأنظمة المعمول بها في ميدان التربية والتكوين، وطبقا لأحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه”.
فهل سنرى مستقبلا من يطالب بإلغاء التعليم الديني مطلقا، بعد تحقيقهم مطلب إلغاء إسلامية الدولة في الدستور؟
ربما.. من يدري؟!!