التحرك العسكري الإسباني بالمغرب ذ. إدريس كرم

 

 

أشرنا سابقا لعودة المقيم العام الإسباني لتطوان بعد حضوره اجتماعا بمدريد مع الحكومة الإسبانية، مسجلا عودته باستئناف تنشيط العمليات العسكرية في اجبالة، في نفس الوقت قام الجنرال سلفستر يوم 13 دجنبر 1913م باحتلال مكان استراتيجي في سكدالا على حدود منطقة طنجة سيمكنه من إقامة خط اتصال تلفوني مع قائد الطابور الإسباني بها، كما أطلق عدة قذائف مدفعية على الزينات مقر إقامة الريسولي الذي كان قد أخلاها قبل والتي توجد على بعد ساعة من تمركز سيلفستر.

وقد خسر الإسبان في العملية خمسة جرحى في حين فقد المغاربة ثمانية قتلى بينهم الشيخ عبد الحق أكبر أصدقاء الريسوني.

لكن بدلا من استثمار هذا النصر العسكري وتطويره باحتلال الزينات، تم اكتفاء سلفستر بالمعنويات، واهتم بتحصين مواقعه الجديدة وربطها بالمراكز القديمة المؤدية لقواته المتواجدة بأصيلا عبر دار بوفاس ودار الرفايف.

من جهة أخرى الجنرال مريانا قام يوم 15 دجنبر بتحريك قواته الأهلية برانكور لمهاجمة دار بن قريش نقطة تمركز الحركة بجنوب تطوان، في حين أن ثكنة اللوزيين واصلت يوم 16 منه مهاجمة المغاربة في المرتفع المطل على المركز وذلك في معركة دامت ثلاث ساعات أبان فيها الخيالة الأهالي المجندين عن شجاعة في مهمتهم متكبدين 7 قتلى وستة جرحى.

الجنرال مريانا شرع حسب تصوره في بناء سلسلة أبراج فولادية جديدة للمراقبة لحماية المراكز من الهجمات ورصدها قبل وقوعها، لكن مع الأسف سنرى أنها لم تحقق المطلوب منها.

يوم 17 دجنبر قام كلونان مسنودان بطائرتين ومنطاد مشدود للأرض بالزحف على دار بن قريش والاستيلاء عليها، وتشتيت الحركة في سهل تطوان، ثم إقامة استعراض عسكري بالقرية بعد تطهيرها من المدافعين، وقد كلفتنا العملية قتل كومنداران وعسكريان وجرج أربعة أما المغاربة فقد فقدوا حوالي 30 قتيلا و40 جريحا أثناء فرارهم من دار بن قريش (ولم تعرف المهام التي قامت بها الطائرات والمنطاد).

يوم 19 دجنبر 1913 تحركت أربع كولونات بقيادة الجنرال بيرانكور، بريمو دوريفيرا، أكودا وساسطا كلومات، تحت إمرة الجنرال أكورنيرا لحماية بناء أبراج على لوما عمرية، وقد كانت الحركة شديدة العنف لأن الإسبان فقدوا فيها ليوطنا وثلاثة رجال قتلى وجرح 23 آخرين، فيهم ثلاث ضباط، وبعدها لم تسجل معركة شبيهة سقط بها كل هذا العدد الذي ساعد عليه رداءة أحوال الطقس المعرقل للعملية.

بيد أن تلك الأبراج لم تمنع وقوع بعض الاعتداءات المؤسفة للمغاربة ضد مراكز رينكرون، ديمنسيلا، وفورت دارني، لكن منحتنا التفكير في ما يمكن عمله نهاية فصل الشتاء.

الجنرال مريانا أراد تلقين الثوار درسا قاسيا فعرض مشروعه على الحكومة الإسبانية في لقائه بها بعدما بين لها صعوبة إنجاز تنمية أثناء القيام بعملية التهدئة، كما أطلعها على الهجوم الذي تعرضت له السفينة الإنجليزية لودكاج من قبل قبيلة أنجرة، التي تعذر عليها الخروج في 26 دجنبر 1913 من نقطة سريس قبالة طريف، بعدما توقفت لحمل أحد الجرحى على متنها، والالتحاق بجبل طارق. ولم ينقذها سوى تدخل الدراعة بيلايو، والطراد أكسطرامادورا، والباخرة الإنجليزية ريسكو، وقد بين هذا الحادث ضرورة فائدة إنجاز تهدئة بالمنطقة الساحلية لمضيق جبل طارق.

بعدما علم الريسوني أنه أصبح مهددا من قبل سلفستر الذي يريد احتلال مقره بالزينات غادرها فارا نحو بني اعروس التي تباحثت مع الإسبان على الخضوع، مما جعله أسيرا عندها بيد أن هناك أخبارا أخرى مضادة لهذه تقول بأنه نودي به سلطانا من قبل جبالة الشرقية، أما الأخبار الرسمية فإنها تشير إلى أنه فقد امتيازه وبقي قليل الأتباع ولا مستقبل له.

وكيفما كان الأمر فقد قام الجنرال سلفستر في 22 باحتلال سوق الإثنين دون خسائر، وكذا موقع كدية الحبيب المتحكمة في سوق أربعاء عياشة المتاخمة لبني اعروس، وهو ما يكذب الحديث الذي يقول بأن الريسوني يهيئ هجوما على القصر، حيث ثكنة القوات الأهلية وحدها التي تبادلت إطلاق النار مع المهاجمين لها ليلة 27 دون خسائر.

في الريف توفي القائد الإسباني الجنرال أكوييل بمرض ألم به، القائد الشنكيطي الأسير عند الإسبان يريدون مبادلته بقادة من قبيلة بني بويحيى، مواقع الحسيمة وبنانو دوكومير تواصل الهجوم عليها، لكن بشكل متقطع بسبب تأثيرات الخلافات والشقاق الذي ظهر بين القبائل المجاورة التي صارت تميل كما يظهر لإنهاء العداء والكراهية للإسبان.

سبب الخلاف أن القبائل الغاضبة تطالب بإعطائها إجارة على المشاركة في حركة اجبالة.

المدفع القديم المأخوذ من “الباخرة الجنرال” يستعمل منذ أن استولى عليه الثوار، ضد المواقع الإسبانية في محاولة لعزل تطوان عن محيطها.

يوم 27، ظهرت بقع سوداء قرب سلوان، وجبل العروي، كما وقع تجمع للجيوش المشاركة في الحركة لكن دون نتيجة، وقد تدخل البوليس الأهلي والسكان أنفسهم لمعاقبة المتجرئين على المراكز الإسبانية ومعاقبتهم.

كومندار الناحية الجنرال جوردانا بمهارة استراتيجية وسياسية استثمر الوضع الذي صارت عليه الحركة ومكوناتها فتوجه يوم 18 دجنبر لمدريد بدعوة من الحكومة، كما فعل سابقا مع الجنرال مريانا كقائد لمنطقة الغرب، والجنرال جوردان والجنرال سلفستر، لاطلاعها على الوضع الذي توجد عليه المناطق التي يديرونها وكيفية إدارة الحرب لاحقا بها.

في نفس الوقت واصلت الحكومة تكوين الجيش الاستعماري الذي يطالب به الرأي العام، وهكذا تم الشروع في تسجيل المتطوعين الأفارقة طبقا لنظام التجنيد الصادر في 5 يونيو 1912 والأمر الملكي الصادر في 10 يوليو الأخير 1913، الذي يتم بمقتضاه فتح باب التسجيل في القوات المتواجدة بالمغرب لمدة سنتين أو ثلاث سنوات أو أربعة للعمل في منطقة الاحتلال الإسباني بالمغرب مقابل مكافأة مالية تقدر بـ500 بسيطة يتسلم المجند نصفها بمجرد تسجيله بشرط قضاء سنتين متتاليتين، ثم تعطاه منحة خاصة إذا ما مدد خدمته بعد انتهاء السنتين الإلزاميتين المذكورتين، بغية تشجيع المنتمين على البقاء في الوحدات العاملين بها، على مستوى كل الوحدات العسكرية الإفريقية العاملة بالمغرب، كما يتمتع المنتسبون لهذه القوات بإجازة.

وبذلك تكون 30 فوجا من المتطوعين و10 من القناصة الأهالي (الموكافر) بما مجموعه 40.000 رجل، اعتبرت كافية من أجل احتلال المنطقة الإسبانية بالمغرب، وأوكل أمر تدريبهم للقوات المتروبولية العاملة عادة بهذه الحرب، زيادة على احتاطي مكون من 15 فوجا من قوات المتروبول متمركزة في قواعد بقادس، الجزيرة، مالاكا، على استعداد لاجتياز المضيق لتقديم الدعم والإسناد عند الحاجة لهم، وتم إرفاق قوات الاحتلال بفيلق من الحرس المدني وفوج انضباط مكون من ثلاثة كتائب.

واضعو المشروع قدروا كلفة هذا الجيش ما بين 45 إلى 50 مليون بسيطة أو أكثر، بينما كشفت إحدى الصحف بأن الرقم الرسمي لتكلفة غزو المغرب قد تجاوز في سنة 1913 ثمانين (80) مليونا في ميزانية وزارة الحرب (ص:41و42؛ إفريقيا الفرنسية 1914).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *